• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • الغرامية

    التحليل المنهجي لنموذج سؤال الذات
    الغرامية
    عيناك والسحـــر الذي فيهمـــا                   صيرتاني شاعــــرا ساحـــــرا
    علمتنـــي الحـــب وعلمتـــــه                     بدر الدجى والغصن والطائرا
    إذ غبت عن عيني وجن الدجى                  سألت عنك القمــــر الزاهـــرا
    وأطرق الروضة عند الضحى                   كيف أناجي البلبــــل الشاعـرا
    وأنشف الـــــوردة في كمهـــا                    نبهتـــه عـــن وكـــره باكــــرا
    أصبح مثلي تائهــــا حائـــــرا           لما رآني فـــي الربـــى حائــرا
    وراح يشكو وأشكــــو لـــــه                      بطش الهوى والهجر والهاجرا
    وكوكب أسمعتــــه زفرتـــي                     فبـــات مثلي ساهيــــا ساهـــرا
    زجرت حتى النوم عن مقلتي                    ولم أبـــال اللائم الـــزاجــــــرا
    ديوان الجداول "إيليا أبو ماضي"










    تحليل منهجي لقصيدة إيليا أبو ماضي
    بعنوان "غرامية"
    شهد العالم العربي في أواخر القرن 19 نهضة واسعة بفعل عدة تحولات تاريخية وحضارية وثقافية، تجسدت هذه النهضة في ظهور حركة فكرية نادت بالتحرر من ربقة الاستعمار وتجاوز مظاهر الجمود ورواسب الانحطاط. وحركة أدبية موازية تمثلت في التجديد الرومانسي المعبر عنه بسؤال الذات، إذ قبل أن تطوي حركة إحياء النموذج شراعها لاحت في الشرق العربي مدارس وجدانية مثلت التيار الرومانسي وكانت تمرة تلاقح بين العرب والغرب، نتج عنه تأثر العديد من روادها بالقيم الثقافية البورجوازية الفردانية والحرية والمساواة وكان الهدف من ظهور هذه الحركة هو رد الاعتبار إلى الذات التي همشها المجتمع بجعلها مصدرا للإلهام بدل الموروث الشعري القديم، ثم التمرد على خطاب إحياء النموذج. ومن أبرز مدارس هذا التيار نذكر الرابطة القلمية في المهجر مع جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي. وقد ركزت على المحبة الإنسانية، والتمرد على الأعراف والتقاليد والتفلسف في الوجود، جماعة الديوان التي أسسها العقاد، المازني وشكري، واهتمت بالتعبير عن الجوهر الإنساني، وأبوللو التي أسسها أحمد زكي أبو شادي وضمت أبا القاسم الشابي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي. وركزت على التأمل في الوجود والبحث عن الخلاص في الطبيعة والخيال أو في الموت.
    ولقد كان وراء ظهور هذه الحركة مجموعة من الأسباب من ضمنها الاستبداد العثماني الغربي على العالم العربي. النكبة الفلسطينية وحملة نابليون، وكذلك تطور الكتابة واللغة والأسلوب. وتختص هذه الحركة بحملة من الخصائص: فمن حيث الموضوع نجده أكثر اتساقا بالوجدان حيث يجسد علاقة الرجل بالمرأة ويهتم على وجه الخصوص بالمرأة الحلم أو الملاك. ومن حيث الصورة الشعرية ضل الشاعر الرومانسي مرتبط بالشعر العربي وعاجزا عن تغيير صورته. فقل اهتمامه بالاستعارة وادعى أن الاستعارة تكون في المال، ومن حيث الإيقاع لم تعبر المدرسة الرومانسية موسيقى الشعر العربي تعبيرا جذريا، ويعتبر إيليا أبو ماضي من رواد هذه الحركة ومؤسسيها. تبنى القيم الرومانسية، وتميز شعره بالغنائية والغنائية والنزعة التأملية، له عدة دواوين شعرية منها ديوان الجداول الذي أخذت منه هذه القصيدة. وللولوج إلى معالم ومضامين هذه القصيدة يجب أن نعالج الأسئلة التالية:
    -         ما هي البنية المعجمية والدلالية للقصيدة؟
    -         ما هي البنية الإيقاعية والدلالية للقصيدة؟
    -         ما هي البنية البلاغية والدلالية للقصيدة؟
    -         ما هي البنية الأسلوبية والدلالية للقصيدة؟
    -         وما مدى تمثيلية القصيدة لخطاب التجديد الرومانسي المعبر عنه بسؤال الذات؟
    يمكن فهم وتحليل القصيدة بالتطرق للبنى الأربع: البنية المعجمية والدلالية، البنية الإيقاعية، البنية البلاغية والبنية الأسلوبية. فبخصوص البنية المعجمية والدلالية يمكن التطرق إلى العناصر الست:
    العنصر الأول: وهو العنوان والذي يتكون من مكون واحد، غرامية الذي يدل على الحب والعشق والولع، الشغف... وجاء نكرة حيث أن التنكير يفيد التعميم، وهو مفتاح للولوج إلى مضمون القصيدة وسبر أغوارها وفتح مضامينها. فالعنوان بمجمله يدل على شعور الشاعر بالحب والعشق والغرام تجاه المرأة التي يحبها وتعبيره لها عن حبه عن طريق هذه القصيدة. أما العنصر الثاني فهو تحديد الوحدات الفكرية وعناوينها ومضامينها. فالوحدة الأولى تبتدئ من البيت الأول إلى البيت الثاني وعنوانها حبيبة الشاعر. مضمونها مناجاة الشاعر لحبيبته التي سحرته بعينيها فجعلت منه شاعرا ساحرا أو علمته المعنى الحقيقي للحب والطبيعة.
    أما الفكرة الثانية أو الوحدة الثانية تتحدد من البيت الثالث إلى البيت الخامس عنوانها حزن الشاعر ومضمونها لوجود الشاعر للطبيعة للبوح لها عن أحزانه ومعاناته الناتجة عن غياب حبيبته. أما الوحدة الأخيرة فتبدأ من البيت السادس إلى آخر القصيدة تحت عنوان الطبيعة وتأملات الشاعر. ومضمونها مواساة الطبيعة للشاعر عن طريق مشاركة أحزان وآلام الشاعر. والعنصر الثالث هو التجربة الشعرية الذاتية والتي يمكن استخلاصها من جراء غياب محبوبته التي علمته معنى الحب مما دفعه للهروب إلى الطبيعة للبوح بأسراره. وهي تجربة تأملية فلسفية محض وتجدر الإشارة أن هذه الخاصية من خصائص سؤال الذات.
    وبخصوص العنصر الرابع الذي يتمثل في الحقول الدلالية حيث يحفل النص بمجموعة من الحقول لعل أهمها هو حقل الذات وحقل الطبيعة. فحقل الذات يؤشر عليه "علمتني- أناجي- أسمعته – نبهته – علمته- مثلت  رأينا..." وحقل الطبيعة فيؤشر عليه القمر- الوردة- الغصن- الطائر..." فهذين الحقلين يتداخلان ويتكاملان للكشف عن معاناة الشاعر وشكواه. أما بالنسبة للعنصر الخامس الذي يتمثل في الحقل المهيمن من الحقلين، فنلاحظ هيمنة حقل الذات لكون القصيدة في مجملها تتحدث عن معاناة الشاعر وهروبه إلى الطبيعة لمشاركتها في معاناته. وأخيرا العنصر الأخير وهو المقارنة حيث يمكننا أن نقارن بين هذه القصيدة "الغرامية"  وقصيدة "إلى دودة" لمخائيل نعيمة حيث أن كلاهما يتفقان في الحفاظ على وحدة القافية والروي والبحر كما يتفقان في التمرد على خطاب الإحياء والبعث، وفي نفس التجربة الذاتية التي هي معاناة الشاعر وهروبه إلى الغاب يناأأااااشسمنيباشسنتيبشنمتسيشنتمسيشتنمسينمش والطبيعة. في حين يختلفان في اعتماد إيليا أبو ماضي الغرام والحب في حين يعتمد ميخائيل نعيمة الهروب إلى الغاب من جراء معاناته.
    هكذا فقد نكون استوفينا جميع العناصر الموجودة في هذه البنية وبالتالي باستطاعتنا الدخول إلى البنية الإيقاعية بشقيها:
    الإيقاع الخارجي: حيث أن الشاعر نظم قصيدته على وزن البحر السريع ويظهر من خلال التقطيع على الشكل الآتي:
    عيناك والسحر الذي فيهما          صيرتاني شاعرا ساحرا
    /0/0//0/0/0//0/0//0                /0/0/0/0/0//0/0//0
    مستفعلن مستفعلن فاعلن                مستفعلن  مستفعلن فاعلن
    كما سبق فإن الشاعر نظم قصيدته على وزن البحر السريع "مستفعلن مستفعلن فاعلن" في كلا الشطرين. حيث حدث تغيرات في حشو العجز من حذف السابع الساكن وتسكين ما قبله وقد سلم الضرب والعروضة من التغيير. والروي في القصيدة هو حرف الراء الممدودة وعليه فالقافية مطلقة لأن رويها متحرك. وتتحدد من آخر حرف في البيت إلى أقرب ساكن يليه مع المتحرك الذي قبله ويمكن تحديدها على البيت المقطع السابق.
    أما بالنسبة للإيقاع الداخلي فإن الشاعر قد زاوج بين التوازي والتكرار. وقد وصف التوازي بشقيه. والتوازي هو التماثل بين مكونات الجملة وينقسم إلى عدة أقسام: توازي دلالي ترادفي وهو عندما يكون  بين جملة وأخرى أو كلمة وأخرى، في حين يكون لهما نفس المعنى مثل تائها = حائرا في البيت السابع. وكذلك وظف التوازي الدلالي التضادي ويكون بين جملة وأخرى أو كلمة وأخرى حين يكون لهما معنى متضاد ويصبح طباق مثل "الضحى الدجى" في البيت الثالث والرابع، واستعمل أيضا التوازي العلائقي النحوي والصرفي. فالنحوي يكون بين كلمتين لهما نفس الإعراب مثل:  "أطرق وأنشق" في البيت الرابع والخامس حيث لهما نفس الإعراب "فعل ماض". أما الصرفي فهو كل كلمة لها نفس الميزان الصرفي مع نضيرتها. مثل "شاعر- ساحر" على وزن فاعل. أما بخصوص التكرار والذي هو الإثبات بالكلمة أو الجملة ومعاودتها بالمعنى أحيانا وباللفظ أحيانا أخرى.  
    وينقسم إلى ست أنواع: تكرار الاشتقاق ويكون بتكرار المصدر مع أحد المشتقات مثل تكرار المصدر "سحر" مع المشتق وهو اسم فاعل "ساحر" وكذلك الهجر / الهاجر" زجرت الزاجر" وكذلك وظف التكرار العروضي والذي شمل القصيدة بأسرها (تكرار القافية المطلقة والبحر السريع والروي "الراء") واستعمل أيضا التكرار اللفظي في البيت الثامن بين كلمتي "شاعر/شاعر- وكره/وكره- مثلي/مثلى- حائر /حائر" في سائر القصيدة . كما وظف التكرار السجعي من خلال الصوامت في البيت الثالث حيث نجد تكرار خمس حروف في حالة فتحة. وهناك أيضا تكرار الجناس وهو اتفاق كلي أو جزئي وهو عندما يكون اتفاق جزئي في الحروف وهذا ينطبق على "ساهيا- ساهرا" في البيت التاسع وأخيرا تكرار التوازي العلائقي النحوي وهو تكرار اللفظة أو الجملة التي لها نفس الإعراب ويتضح من خلال "انشق الوردة/ أطرف الروضة" حيث لها نفس الإعراب وهي جملة فعلية تتكون من فعل وفاعل.
    أما بالنسبة للبنية البلاغية فقد وظف الشاعر صور المشابهة أي التشبيه والاستعارة فبخصوص التشبيه وباعتباره إشراك طرفين أو أكثر في صفة أو مجموعة من الصفات. فقد وظفه الشاعر في قصيدة ويتضح في البيت السابع والتاسع. بخصوص التشبيه الأول في البيت السابع يمكن دراسته كما يلي: جملة التشبيه وهي: أصبح مثلي تائها. فالمشبه هو النائم، المشبه به هو الشاعر أداة التشبيه وهي اسم "مثل" وجه الشبه "التيه والضياع والحيرة"، ووظيفته بيان المشبه وبيان مقدار التشبيه. والتشبيه الوارد في البيت التاسع هو "فبات مثلي ساهيا ساهرا" فالطرف الأول هو الكوكب والطرف الثاني المشبه به هو الشاعر والأداة هي "مثل" وهي اسم ووجه الشبه هو "السهو والسهر". وقد لعب التشبيه بمجمله وظيفة تزينية وجمالية. أما بخصوص الاستعارة باعتبارها مجازا. والمجاز هو الخروج عن المعنى الحقيقي وهي أيضا تشبيه حذف أحد طرفيه، حيث وظفها الشاعر بكثرة ونجدها في البيت الثامن "بطش الهوى" وهي الجملة الاستعارية. المستعار له "الهوى" المستعار منه محذوف تقديره الإنسان. وقد ترك شيئا من لوازمه ألا وهو القرينة المانعة من ورود المعنى الحقيقي وهي "بطش" التي ترتبط بالإنسان وتجمع بين المستعار له والمستعار منه علاقة مشابهة، هكذا فنوع الاستعارة مكنية لأن المستعار منه محذوف لم يصرح به وقد لعبت الاستعارة مجموعة من الأدوار من بينها وظيفة تعبيرية إيحائية، توضيحية، اختزالية، وتزينية.
    ولقد وظف أيضا صور المجاورة التي بدورها تنقسم إلى صورتين المجاز والذي هو خروج عن المألوف وعن المعنى الحقيقي، والذي ينقسم بدوره إلى مجاز عقلي يفهم بالعقل مثل قول الشاعر في البيت التاسع، "كوكب  أسمعته زفرتي"  والمقصود هنا هو ليس أنه أخبر كوكب ما، بل حدث الناس عن معاناته وتألمه من جراء ما حدث له. والصورة التالية في الكناية وهي إيراد اللفظ وقصد لازم معناه. وتتضح من خلال بداية القصيدة "عيناك والسحر الذي فيهما" وهي صفة عن موصوف. فالصفة هنا هي الجمال والمجاز والكناية معالمها وظيفة بيانية توضيحية ووظيفة جمالية تزينية "وكل نموذج من الاستعارة هو مجاز".
    ثم في الأخير ندرس البنية الأسلوبية، والتي تنقسم إلى أساليب خبري وأساليب إنشائية. فالخبر هو معرفة تحتمل الصدق والكذب، وهو ثلاث أنواع: الخبر الابتدائي وهو كل خبر الذي لا يحتاج إلى أداة تأكيد لأن ذهن المتلقي خالي من الخبر مثاله في السطر الأول:"عيناك والسحر الذي فيهما" الخبر الطلبي وهو كل خبر يحتاج إلى مؤكد واحد لأن المتلقي شاك في مصداقية الخبر، ومثاله في البيت الثالث "إن غبت عن عيني وجن الدجى"، والأساليب الإنشائية وهي كل معرفة لا تحتمل الصدق ولا الكذب.  وتنقسم إلى إنشاء طلبي كقول الشاعر في البيت الرابع "كيف أناجي البلبل الشاعرا" وأيضا قوله في البيت السادس "كم نائم في وكره هانئ" ولقد لعبت الأساليب الخبرية والإنشائية دورا هاما في بناء البنية المفاهيمية للقصيدة.
    لقد مثلت القصيدة الخطاب الرومانسي بشكل كبير الذي يتجلى في اهتمام الشاعر بالذات عوض الجماعة حيث يتحدث عن نفسه وعن حبه. ويظهر هذا التمثل في تعنيه بالوحدات، بالحب وبالمشاعر الداخلية التي يحس بها  تجاه معشوقته. وأيضا تجديد الموضوعات الشعرية.
    فنحن نلاحظ أنه تحدث عن علاقته بالمرأة التي جاءت على شكل حبيبته وتخليه عن النظام الثلاثي والرباعي وعن الغرض الشعري، وتبديله بالتجربة الشعرية أي أنه يتحدث عن تجربته في الحب إلى جانب طغيان المآسي والمعاناة والغربة في شعره. وذلك يظهر في القصيدة من خلال بوح الشاعر بالمعاناة التي يحس بها. ولقد تميزت هذه القصيدة بكونها حافظت على نظام الشطرية ووحدة البحر السريع "مستفعلن مستفعلن فاعلن" في كلا الشطرين مع بعض التغيرات، ووحدة الروي الراء الممدودة، ووحدة القافية "ساحرا" وأخيرا الهروب إلى الطبيعة والتغني بالوجدان.

    من انجاز
    سناء النجاري 
    جميلة الصاليح
    عبد الكريم هرامة
    يوسف امرزوك
    امين حكيم




    صفحتنا


    عدد المشاهدات