• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • تحليل نص شعري (خطاب سؤال الذات) : إلى دودة

    إلى دودة
    1.    تدبين دب الوهن في جسمي الفانـي             وأجري حثيثا خلف نعشي وأكفانـــي
    2.    فأجتاز عمري راكضـــا متعثـــــرا             بأنقاض آمالي وأشبــــاح أحزانــــي
    3.    وأبني قصورا من هبـــاء وأشتكـي             إذا عبثت كف الزمـــان ببنيـــانــــي
    4.    ففي كل يـــوم في حيـــاة جديـــــدة             وفي كل يوم سكرة الموت تغشانـــي
    5.    ولولا ضباب الشك يا دودة الثـــرى            لكنت ألاقي فـــي دبيبـــك إيمــانــي
    6.    فأترك أفكـــاري تذيع غــــــرورها             وأترك أحزانـــي تكفـــن أحزانـــي
    7.    وأزحف في عيشي نظيـــرك جاهلا            دواعي وجدي أو بواعث وجدانــي
    8.    ومستسلمـــا في كــل أمـــر وحالـــة            لحكمـــة ربي لا لأحكــــام إنســـان
    9.    فها أنت عميـــــاء يقودك مبصــــــر وأمشي بصيرا في مسالك عميـــان
    10. لك الأرض مهـــد والسمـــاء مظلــم            ولي فيهما من ضيق فكري سجنان
    11. لئن ضاقتــــا بي لم تضيقا بحاجتــي           ولكن بجهلي وادعــــائي بعرفانــي
    12. ففي داخلي ضــــدان: قلب مسلـــــم            وفكـــر عنيد بالتســـاؤل أضنانـــي
    13. توهــــم أن الكـــــون ســــر وأنــــه             ينــــال ببحث أو يبــــاح ببرهــــان
    14. فراح يجوب الأرض والجو والسما             يسائل عن قــــاص ويبحث عن دان
    15. وكنت قصيــــدا قبــــل ذلك كامـــلا            فضعضع ما بي من معان وأزوزان
    16. لعمرك، يا أختــــام، ما في حياتنـــا            مراتب قــــدر أو تفــــاوت أثمــــان
    17. مظاهــــرها في الكون تبدو لناظـــر            كثيــــرة أشكـــال عديـــدة ألــــوان
    18. وما ناشد أسرارها، وهو كشفهـــــا             سوى مشتر بالماء حرقة عطشــان
    ميخائيل نعيمة: همس الجفون. دار صادر. بيروت. ط6. 1968. ص : 83 وما بعدها (بتصرف)




    نموذج لخطاب سؤال الذات
    إلى دودة
    ميخائيل نعيمة

    شهد العالم العربي في أواخر القرن 19 تحولات تاريخية وحضارية وثقافية أدت إلى انهيار ثورة فكرية للأدب العربي في شقه الشعري والنثري، ومن أهم العوامل المساهمة في ظهور هذه الحركة الفكرية نجد: الاستبداد العثماني وحملة نابليون على مصر التي استقدمت معها المطبعة والاستعمار الغربي للعالم العربي ونكبة فلسطين سنة 1948 وتنامي الوعي القومي والوطني والاحتكاك بالثقافات الغربية والحركات التحررية، وقد أثمرت هذه العوامل ثلاث خطابات: خطاب البعث والإحياء، خطاب سؤال الذات وخطاب تكسير البنية وتحديد الرؤية.
     فخطاب سؤال الذات أو ما يسمى بالشعر الرومانسي ظهر في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 وقد مثلثه مجموعة من المدارس بفعل عدة عوامل كرد الاعتبار للقصيدة العربية وتجاوز البحث والتأثر بالبورجوازية وقيمها الليبرالية ومن أهم خصائص الشعر الرومانسي أنه يهتم بالطبيعة لا الغاب والتأمل الفكري والعاطفة والشعور والشعور والوجدان ونجد أنه يهتم بالذات في مقابل الجماعة وينتقد المدينة ونجد معظم موضوعاته تتغنى بالحزن، الألم، المأساة، الحنين والوحدة والهجرة والحفاظ على نظام الشطرين والروي والقافية وأحيانا التنويع في البحر والروي والقافية وإلى جانب حضور المرأة بشكل كبير في هذا النوع من الخطابات. ومن أهم رواد هذا الخطاب نجد ميخائيل وجبران خليل خليل جبران وإليا أبو ماضي الذين يمثلون مدرسة المهجر وعباس محمود العقاد والمازيني وشكري الذين يمثلون مدرسة الديوان وإبراهيم ناجي والشابي وعلي محمود طه الذين يمثلون جماعة أبولو.
    والقصيدة التي بين أيدينا والمعنونة ب "إلى دودة" للشاعر ميخائيل نعيمة الذي يعتبر من أهم الرواد الذين أسهموا في إغناء الشعر الرومانسي والقصيدة مقتطفة من ديوانه "همس الجفون"
    1.                   فما طبيعة البينة المعجمية والدلالية لهذه القصيدة؟
    2.                   وما طبيعة البينة الإيقاعية الداخلية والخارجية لهذه القصيدة؟
    3.                   وما طبيعة البنية البلاغية لها؟
    4.                   وما طبيعة البينة الاسلوبية لها؟
    5.                   وما مدى تمثيلية القصيدة لخطاب سؤال الذات؟
    ولتحليلنا لهذه القصيدة وجب الوقوف على إجابة الأسئلة المطروحة في الإطار الإجرائي وبداية ومع دراسة البنية المعجمية والدلالية. فعلى المستوى الدلالي يعتبر عنوان القصيدة "إلى دودة" عبارة عن مفتاح لولوج القصيدة وعليه فالعنوان يتكون من شقين: الشق الأول هو "إلى" وتفيد الإرسال والشق الثاني: فهو "دودة" وهو عبارة عن اسم لحشرة. أما على المستوى النحوي فالعنوان جاء على الشكل التالي "إلى " حرف جر "دودة" اسم مجرور. وعليه فالوظيفة التي لعبها العنوان هي أن الشاعر يبعث برسالة إلى دودة أو بالأحرى أن الشاعر يتأمل حالة دودة ومن هنا نفترض أن القصيدة عبارة عن تأملات وافظة التأملات تحيل إلى  ذات الشاعر مما تمثله من طقوس التفكير والملاحظة في محيط خال من الناس والضوضاء. أما بخصوص التجربة الشعرية فالنص يجسد تجربة الشاعر الذاتية والوجدانية وهو تعبير عن تأملاته في الحياة وعن تصوراته وفلسفته. ومن خلال قراءتنا للقصيدة نستخلص أنها تتمحور حول ثلاثة وحدات فكرية أساسية، الوحدة الأولى تبتدئ من البيت 1 إلى البيت4 وعنوانها ذات الشاعر أما مضمونها فهو وصف الشاعر الوضعية التي آلت إليها ذاته انطلاقا من عالم ظاهري إلى عالم باطني بواسطة فلسفة عميقة ورؤية مختلفة للكون. أما الوحدة الثانية فتبدأ من البيت 5 إلى البيت 11 وعنوانها الصراع الداخلي للشاعر ومضمونها تصوير الشاعر مظهر من مظاهر صراعه الذاتي الداخلي الذي يعيشه والسبب في ذلك هو البحث عن حقيقة الوجود. أي الوحدة الثالثة تبتدئ من البيت 12 إلى البيت 18 وعنوانها طبيعة القيم في الواقع وذلك بوجود تناقضات معتمدا على حكم مستنبط من فلسفته الوجودية خاصة القدرة على التمييز بين حقيقة الخير والشر.
    أما بخصوص الحقول الدلالية فالنص يتضمن حقلين دلاليين، حقل يمثله عالم الشاعر وحقل يمثله عالم الدودة ومن المؤشرات الدالة على الحقل الأول نجد (جسمي الفاني- أجري- حثيثا- نعشي وأكفاني- اجتاز عمري- أنقاض- أمامي- أشباح أحزاني- ابني قصورا- اشتكي- تبياني...)  أما المؤشرات الدالة على الحقل الثاني فهي (تدبين- دودة الثرى- عمياء لك الأرض مهدا- يقودك مبصر...)، وعليه فالحقل المهيمن هو حقل الشاعر وهذا يرجع إلى أن النص ينتمي للتيار الذاتي الوجداني ولذا نجد حضور ذات الشاعر بشكل بارز حيث يحصر كذلك البعد الفلسفي في النص حيث يعكس صراعا داخليا لذات الشاعر مما جعله يخلص في نهاية النص إلى نتيجة أراحت شعوره وضميره. أما بخصوص البنية الإيقاعية الخارجية فيمكننا اختيار البيت1 من القصيدة:
    تدبين دب الوهن في جسمي الفاني              وأجري حثيثا خلف نعشي وأكفاني
    //0/0  //0/0/0  //0/0  //0/0/0            //0/0  //0/0/0  //0/0  //0/0/0
    فعولن  مفاعيلن    فعولن  مفاعيلن             فعولن  مفاعيلن    فعولن  مفاعيلن

    ونسج الشاعر قصيدته على وزن بحر الطويل وهو بحر مزدوج وتفعيلاته هي:
    فعولن  مفاعيلن    فعولن  مفاعيلن             فعولن  مفاعيلن    فعولن  مفاعيلن
    ولم تلحق تفعيلات العروضة والضرب أي تغيير فكلاهما صحيحة وروي القصيدة نون مكسورة موصولة بالياء والوصل هو إشباع حرف الروي. وتحدد القافية من آخر حرف وهو الروي إلى أول ساكن قبله مع حركة الحرف الذي قبله وعليه فالقافية في البيت الأول هي:
    أكفَـــــــانـــــي
     حركة الحرف الذي قبله                  أول ساكن             روي
    وجاءت القافية مطلقة لأن الروي متحرك وموصول، أما بخصوص البنية الإيقاعية الداخلية، فقد وظف الشاعر التوازي العلائقي النحوي في البيت 1و3 (أجري- ابني) كلاهما فعل ماض كما وظف التوازي العلائقي الصرفي في البيت 1و2 (أكفاني- أحزاني) فكلاهما على وزن أفعالي، كما وظف التوازي الدلالي التضاد في البيت 4 (الحياة الموت)، كما وظف التوازي الدلالي الترادفي في البيت 14 (يجوب- يبحث) وذلك لأن لكلا اللفظتين نفس المعنى، كما وظف تكرار الجناس الغير التام في البيت 1 (الفاني- أكفاني)، وذلك للتشابه الجزئي في اللفظ والاختلاف في المعنى، كما وظف تكرار الاشتقاق في البيت 9 (مبصر- بصيرا) بين مصدر ومصدر. كما وظف تكرار التوازي العلائقي الصرفي (أكفاني- أحزاني- أضناني) في البيت 1 و2 و 12. أما بخصوص البنية البلاغية المتعلقة بالصور الشعرية. فقد مزج الشاعر بين صور المشابهة وصور المجاورة، حيث وظف التشبيه والتشبيه هو اشتراكك صفة بين طرفين أو أكثر حيث وظفه في البيت 10 حيث قال:
    "لك الأرض مهد والسماء مظلة". فالمشبه هو الأرض والمشبه به هو المهد والأداة محذوفة ووجه الشبه هو الراحة، كما وظف الاستعارة في البيت3. "إذا عبثت كف الزمان ببنياني". فالمستعار له هو الزمان والمستعار منه محذوف والعلاقة المشابهة والقرينة كف ونوع الاستعارة مكنية وذلك لأن المستعار منه محذوف. وبالإضافة إلى صور المشابهة قد وظف الشاعر أيضا صورا المجاورة من خلال توظيف توظيف الكناية في البيت 8 حيث قال"ومستسلما في كل أمر وحالة" كصفة لموصوف وهي الاستسلام، كما استعمل المجاز في البيت 1 "تدبين دب الوهن" فاستعمل خاصية التدبدب كخاصية من خاصيات الذوق وهي خاصية المجاز الجزئي، أما بخصوص البنية الأسلوبية والأخيرة المتعلقة بالأساليب الخبرية والإنشائية ونجد أن الشاعر وظف الخبر والخبر كلام يحتمل الصدق أو الكذب، ومعياره الواقع فإذا طابقه فهو صادق وإذا خالفه فهو كاذب وأنواعه ثلاثة: الخبر الابتدائي والخبر الطلبي والخبر الإنكاري، فوظف الخبر الابتدائي في البيت 1 حيث قال "تدبين دب الوهن في جسمي الفاني"، ونوعه ابتدائي لسببين خلوه من أدوات التوكيد والمتلقي خال الذهن. كما وظف الأسلوب الخبري الطلبي في البيت 13 حيث قال "توهم أن الكون سر" لسببين وجوده أداة توكيد واحدة والمتلقي شاك ومتردد. كما وظف الأسلوب الإنشائي الطلبي "يا دودة الثرى" في البيت 5 وهو إنشاء طلبي يفيد النداء لوجود أداة نداء "ياي"، أما الإنشاء الغير الطلبي فلم يرد له مثال في القصيدة.
    ومن خلال تحليلنا لهذه القصيدة، يتبين لنا أنها مثلت خطاب سؤال الذات أو ما يعرف بالشعر أو الخطاب الرومانسي خير تمثيل نظرا لالتزامها بعدة خصائص ومميزات منها: الاهتمام بالعاطفة والتوازن والوجدان والاهتمام بالذات مقابل الجماعة والحفاظ على نظام الشطرين والروي الموحد الذي هو حرف النون وأيضا وحدة القافية والاهتمام بعدة فلسفات خصوصا المثالية والوجودية مع الاهتمام بالطبيعة الغاب وحضور التجربة الشعرية مكان الغرض الشعري عند الإحيائيين.


                                                                                                               ابتسام الخيدار
    حسناء شكير
    سهيلة العوماري
    محمد باصور
    مريم جديد
    خالد تزروفين


    صفحتنا


    عدد المشاهدات