• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • تحليل النص القصصي : شغلانة لإدريس يوسف


    النص: شغلانة

    كان عبده في حاجة إلى قرشين ..
    ولم تكن هذه أول مرة يحتاج فيها عبده، فقد أمضى عمره باحثا عن القرشين..
    كان في الأصل طباخا، تعلم على يد الحاج فايد الشامي وأتقن الصنعة ، حتى أن طبق (الدمعة) كان حين يخرج محبوكا محوجا يحظى بإعجاب المعلم نفسه

    ولكن الحالة لا تدوم على وتيرة واحدة، وهكذا اشتغل عبده صبيا في الورشة التي بجوار المطعم، ثم طرده صاحب الورشة فعمل بوابا فترة الزمن وأشرف وحده على عمارة من عشرة طوابق، ثم أسلمه عوده الفارع وساعده القوي إلى عربات النقل فأصبح شيالا حتى أصيب الفتق.
    وقد عمل عبده ذات مرة سمسارا، و كان يجوب الأزقة ليل نهار بحثا عن حجرة خالية ، و كان يجدها، ويجد معها العشرة قروش ، ثم استطاع أن ينفد إلى كهنوت السماسرة ، فيقبض القروش العشرة بلباقة من الزبون و لا يجوب الأزقة أو يجد الحجرة...
    وعبده في شغل القهاوي عجب و كان أيام عزه يقف في أرضية القهوة وحده ليلة العيد فلا يؤخر طلبا أو يكسر كوبا .
    و كانت له زوجة يسكن و إياها حجرة و حولهما الجيران. و رغم المعارك الصغيرة التي تنشب بين نساءهم و امرأته ، فقد كانوا على العموم أناس طيبون، يواسونهم ويقرضونه إذا لم يعلم ويدعون له وأحيانا يقترضون منه إذا وجد العمل، و الدنيا به وبهم تبيع لهم العيش بالميزان، وتنقص كل يوم في الميزان و إنما هي الدنيا و السلام.
    كان عبده في حاجة إلى قرشين :
    وهذه المرة كانت حاجته قد طالت، و لم يكن هناك أمل في نهايتها، و معارفه القدامى حفيت قدمه وهو يلف عليهم ويدور، و يعود من لفه ودورانه بنفس وجهه المقطب العابس و يديه الخاويتين ويدق الباب فتفتح امرأته فلا يحيها، و لا تحييه و ينام على الحصيرة ، ويسد أدنيه عن لغط نفيسة ودوشتها وهي تجره جرا إلى الذي يحدث كل يوم، و إلى تهديد صاحب البيت، وأنصاف الأرغفة الحاف و أرباعها التي يتصدق بها الجيران، و العيد القادم، وأقة الخوخ التي نفسها  فيها وتتوحم عليها، وابنته التي ماتت، و ابنه الذي في الطريق و الخوخة التي سيولد بها.
    وطالت هده المرة على غير عادتها، وعلا صوت نفيسة حتى لم يعد يحتمل، وأصبح لا يطيق النظر إلى وجوه جيرانه و رؤوسهم المهتزة الآسفة على شبابه وقلة بخته ، أو تمنياتهم التي لا يمضغها تحت أسنانه أو يستر بها جسد نفيسة.
    وفي يوم وعبده عائد قالت له نفيسة أن طلبه قد أرسل له.
    وأحس  عبده بفرحة فإن أي سؤال في مثل حاله يعني الأمل، وليكن كاذبا إلا أنه أحس من لا شيء عل أية حال .
    وفي التو ذهب إلى طلبه، و  كان سيد القاطنين في البيت بلا جدال، فقد كان يعمل تمورجيا في المستشفى، وكان كذلك أحدث القاطنين .
    ورحب به طلبه ، وابتسم عبده لترحيبه في خجل. وما كاد طلبه يسأل عن الحال حتى قص عبده الحكاية ، وكان عبده يشعر بالراحة وهو يقصها و يتحدث عن الأيام مجده و ذكرياته، كان إذا أحس بالنظر تقشعر وهي تعتبر جلبابه المهلهل لا يسترح حتى يتكلم عن حرفه ، وعن الناس الذين عرفهم و عمل معهم ، و كأنه يدارى خروق جلبابه، وحين يتكلم عما فات  كان صوته يمتلئ و نفسه تكبر و يشعر بأنه كان رجلا، ثم يخفت حديثه و تتبرم لهجته، و يسخط على الدنيا و الزمان و الناس ، و يتشوق إلى الخير الذي ضاع و يشمئز من الشر الذي ملأ القلوب. ثم كانت كلماته تصغر ، و صوته يضعف و ابتسامته خجلة تأخذ طريقها إلى وجهه، وهو يتحدث إلى جليسه عما صار إليه، ويسأله، بعد أن يفرغ كل الضعف الذي في صوته، و تنتهي كل الاستكانة التي يهمس بها، يسأله إن كان يعرف له الطريق إلى عمل.
    واستمع طلبه، وقاطعه كثيرا وهو يستمع ثم اخبره في النهاية بأن هناك عملا ينتظره.
    ورجع عبده وكأن ليلة القدر قد فتحت له.
    وجدث نفيسة كثيرا عن طلبه وترحبيه وطيبته، وأمرها أن تذهب في الغد بعد ما ترجع من عند الطلبة الذين تغسل لهم إلى امرأته وتساعدها وتسليها.
    ومن الفجر كان مستيقظا، وقبل شروق الشمس كان هو وطلبه أمام قسم نقل الدم في المستشفى وانتظر .. وجاء أناس مثله وانتظروا، وفتح الباب في العاشرة .. ودخلوا .. وأخذ عبده بالمكان الذي كله سكون وصمت.. ونفذت إلى أنفه رائحة كالفنيك تملأ الجو، وجعلت معدته تطفو حتى تصل إلى حلقه.. وأوقفوهم طابورا وسألوه هو كالذاهل واستجوبوه وعرفوا اسم أمه وأبيه، وكيف مات خاله وعمه، وطالبوه بصورة وبحث عنده فلم يجد إلا صورته الملصقة على تحقيق الشخصية الذي يحمله دائما خوفا من الطوارئ والعساكر.
    ودفعوا إبرة في وريده، وأخذوا منه ملء زجاجة من الدم الأحمر، وقالوا له : بعد أسبوع.
    وخلال الأسبوع كان عبده لا يزال في حاجة إلى القرشين، ولا يزال غاديا رائحا يبحث، وأنصاف الأرغفة وأرباعها كادت تفرغ، بل فرغت وفي يده الميعاد تماما كان أمام القسم. وفي العاشرة فتح الباب وقالوا الذي بله في الطابور ..لا..
    وحين تصلب الرجل في مكانه أزاحوه وهم يقولون : دمك فاسد..
    وخفق قلب عبده..
    ولكنه كف عن الخفقان حين قالوا له : أيوه..
    ولما تثاقل في مكانه أزاحوه وهم يقولون : حناخذ منك... النهاردة..
    وكاد عبده يركب رأسه ويمضي في الطابور مهللا مقهقها كما كان يفعل في عز شبابه، ولكنه كان خائفا ففرح على مضض وانتظر..
    وبعد قليل نادوا عليه، وأدخلوا ذراعه في ثقب لا يسع إلا ذراعه. وخاف عبده ولكنه اطمأن حين وجد على يمينه واحد وعلى شماله آخر وأحس بذراعه كلها يغمرها شيء بارد وكأنها وضعت في لوح من الثلج واندست فيها بعد برهة مسلة وتأوه، ثم لم يعد شيء يصيبه فسكت، وأتاح له سكوته أن يتفرج على المكان، وليس لهن صب امرأته ولا ثوبها الأسود، وأدرك عبده بعد برهة أنهم ليسوا كلهم فتيات، وإنما بينهن بعض الرجال ولكن وجوههم هي الأخرى كانت بيضاء كالقطن المندوف ولامعة كالحرير وراح عبده يحسد ذراعه والرجال الذين في الداخل ويتمنى أن تطول حتى تصل أصابعه إلى قناع واحدة من الفتيات فيشده، ويقرض وجهها الحلو.
    واستمر عبده يشب ويتأمل الوجوه المقنعة ويخلط بين الرجال والفتيات حتى بدأ الزجاج الفاصل يضئ وينطفئ أمام عينيه، والوجوه الحلوة تغطيها الأقنعة ثم تنحسر عنها...
    وأحس أنه تعب..
    وشعر بذراعه تبرد ثم شعر بها تسخن وتبرد..
    وسأل الذي عن يمينه : هم حياخذوا قد إيه..
    وأجاب الآخر وهو يغمغم وكأنما ينوي ليتوضأ : أنا عارف ..بيقولوا نص لتر...
    وانتهى الحديث..
    ودقوا على ذراعه وهو يقولون : خلاص..
    ومشى عبده وهو غير ثابت وسأل عن القرشين .. وقالوا له انتظر..
    وانتظر..
    ودفعوا له جنيها وفوقه ثلاثون قرشا . وخصموا الدمغة .. وكراما فأفطروه..
    وقبل أن يرجع إلى البيت مر على الجزار فأخذ رطل اللحمة، وفات على الخضري فاشترى البطاطس ودق باب الحجرة وهو يبتسم..
    وحين فتحت نفيسة ووجدته محملا ردت تحيته، وحملت عنه ما في يده وقد انتابها خفة، وكادت ـ لولا الحياء ـ تقول إنها تحبه وتموت فيه.
    وطبخت نفيسة، وشاعت رائحة "الثقيله" في الحجرة وتسربت إلى أرجاء البيت، وشمشم الجيران، وابتسم بعضهم وتحسر أخرون وهم واجمون.
    وأكل عبد اللطيف حتى ملأ بطنه، ثم تهور واشترى بطيخه..
    وفي الليل لم يسمع لامرأته زعيق، ولا نصبت الزفة، وإنما دار بينهم همس كحديث الحبايب..
    وانتهى الأسبوع، وقبل أن ينتهي كان عبده قد صرف كل ما أخذ..
    وفي الميعاد ذهب إلى المستشفى ومد ذراعه، وأخذوا منه ما أخذوا، وأعطوه، ولم ينسوا فأطعموه. وارتاح عبده إلى العمل الجديد فليس فيه إمارة معلم أو شخطة أوسطى ولا تمحيكة عسكري، وليس عليه إلا أن يذهب كل أسبوع إلى هذا المكان النظيف الذي كله أبيض في أبيض، ويعطيهم نصف لتر من دمه،
    ويناولونه الثمن، وتدبر امرأته عيشهم بما يأخذه، ويكون جسده قد دبر الدم، حتى إذا ما انتهى الأسبوع يعود ليعطيهم الدم ويناولونه النقود.
    كان عمله (الأسطة)، وحساده كثيرين..
    وكانت حال امرأته معه على كف عفريت، فحين يقبل وفي يده ما في يده تبسم له وتكاد تزغرد، وحين ينام طيلة الأسبوع لا تدعه ينام وإنما تحدثه عن رجليه الرفيعتين، ووجهه الذي يصفر، وتقص عليه في كلمات مبتورة عابرة، ما تقوله نساء (الحتة) عنه، وكيف عايرتها حميدة حين تشاجرت معها بزوجها الذي يبيع دمه، وأحيانا كانت تهدهد عليه وتشفق وكأنها أمه، وتغطيه في الليل وتثقل في الغطاء ولا تجعله يتحرك من مكانه أثناء النهار وإنما دائما بين يديه تلبي كل إشاراته وكأنه طفل مريض.
    وكان عبده يلمس هذا، ويشعر بالمرارة وهو يلمسه، ولكن ماذا يهم..
    صحيح إنه كلما أخذوا منه الدم يدوخ وينام بجوار حائط المستشفى حتى العصر.
    وصحيح أن الناس تتكلم، وكلام الناس كثير، ولكن المهم أن وابورهم والع، وإيجارهم مدفوع، والذي لا يعجبه هذا فليشرب من أوسع بحر.
    غير أن عبده ذهب يوما إلى المستشفى، ولم يجلسوه أمام الثقب وإنما نادوا عليه وقالوا له..
    - ليه ؟..
    - .. أنيميا..
    -.. أنمية أيه ؟..
    -.. فقر الدم ..
    -..وماله؟..
    -..وما ينفعشي..
    - وبعدين؟..
    -..لما تقوى..
    -..أنا قوى أهه ..أهد الحيطة
    - هبوط في القلب..
    - ما لكوش دعوه..
    -..تموت..
    -..أنا راضي..
    -.. صحتك..الإنسانية..
    - ودي إنسانية يا جدعان؟ ! ..
    - مش ممكن..
    - يعني مافيش فايده؟..
    -..ولا عايده..
    وهذا اليوم نسوا فلم يطعموه..
    ومن جديد أصبح عبده في حاجة الى قرش






















    تحليل النص القصصي : شغلانة لإدريس يوسف

    شهد العالم العربي في أواخر القرن 19 م تحولات فكرية وثقافية ساهمت في تطور الأدب العربي عموما والنثر على وجه الخصوص. ومن أهم العوامل التي أدت إلى ظهور هذه الحركة التطورية نذكر منها: الاستبداد العثماني ، حملة نابليون على مصر واستقدامها للمطبعة إلى جانب الصحافة التي مهدت لتطور الإنتاج الأدبي وتنامي الوعي القومي وظهور حركات تحررية منادية بالاستقلال والقضية الفلسطينية، خاصة نكبة فلسطين 1948 إلى جانب الإبداع والاتصال بالغرب والانفتاح عليه من خلال الترجمة أو البعثات الطلابية التي استفادت من الغرب. وهذه العوامل وغيرها ساهمت في إثمار ثلاث أجناس أدبية حديثة وهي المقالة، القصة والمسرح.
    والقصة فن أدبي نشأ في أوربا خلال القرنين 18 و 19 وظهر في العالم العربي خلال القرن 20 والقصة ظهرت لتلبي حاجة اجتماعية تمثلت في التعبير عن قضايا وهموم المواطن وحاجة فنية تمثلت في تطوير الشكل الفني للقصة. ومن أهم خصائص القصة أنها فن يمتاز باحتوائه على المتن الحكائي والمبني الحكائي بمختلف عناصرهما، ومن أبرز رواد هذا الفن نجد محمد بنيس ، محمد برادة، جبران خليل، مبارك ربيع.
    والنص القصصي الذي نحن بصدد دراسته تحت عنوان شغلانة إدريس يوسف الذي يعد من أهم الرواد الذين أسهموا في تطوير الفن القصصي. والنص موضوع دراستنا مقتطف من أرخص ليالي الأعمال الكاملة.
    1. فما طبيعة المتن الحكائي ؟
    2. وما طبيعة المبنى الحكائي؟
    3. أين تتمثل القيم والأنساق الفكرية والأخلاقية؟
    4. وما مدى تمثيلية النص لجنس القصة؟ 
    لتحليلنا لهذا النص القصصي وجب علينا الإجابة عن الأسئلة المطروحة داخل الإطار الإجرائي. سنبدأ بدراسة المتن الحكائي بكل عناصره وبداية فوضعية البداية تمثلت في بيان الأشغال التي قام بها عبده من أجل الحصول على قرشين وتتمثل هذه الأشغال في الطبخ، العمل في ورشة، عمل بوابا، عمل بائعا متجولا وأخيرا عمل في المقاهي وهي بداية تقدمية حيث بدأ الكاتب بأشياء مرتبطة بالشخصية الرئيسة قبل الدخول في الموضوع مباشرة. والوضعية الثانية هي وضعية الوسط وتمثل في وصول عبده إلى باب البيت بعد دورانه ورجوعه للبيت عابسا بيديه الفارغتين فيدق الباب وتفتح الزوجة وهي عابسة لأنه عاد إلى البيت وهو خاوي الوفاض ثم نوم عبده على الحصيرة مخافة من لغط زوجته على وضعه المزري الذي حيث تقربه بكلامها من الأشياء التي تحصل كل يوم ثم وصول عبده خبرا من زوجته نفيسة بأن طلبه قد أرسل له، وذهاب عبده في الوقت نفسه إلى طلبه الذي رحب به كثيرا مما خلق عند عبده إحساسا بفرحة عارمة رغم إحساسه بالخجل مما دفعه إلى طلب عمل فيه، استيقاظ عبده وذهابه مع طلبه إلى المستشفى من أجل بيع الدم مقابل المال فدفعوا له جنيها وفوقه ثلاثون قرشا بالإضافة إلى إفطاره وعند رجوعه يمر على الجزار ليشتري اللحم وتستقبله زوجته بكل فرح وسرور على غير عادتها وكذا حالة امرأته معه حيث كانت علاقتهما على كف عفريت فحين يقبل وفي يده ما في يده تبتسم وتكاد تزغرد وحين ينام طيلة الأسبوع تقص عليه نفس الأسطورة وتقوله جاراتها وكيف عايرتها حميدة بزوجها الذي يبيع دمه ولكن رغم ذلك فقد كانت تشفق عليه كأنها أمه وكان عبده يشعر بالمرارة والحسرة إثناء إصغائه إليها أما وضعية النهاية فأبرز الأحداث فيها كانت انصدام عبده من طرف ممرض الذي منعه من بيع دمه بسبب إصابته بفقر الدم وسوء حالته الصحية وهي نهاية حزينة بسبب عودة عبده إلى حالته السابقة المتمثلة في الفقر وسعيه مجددا لكسب قرشين. أما العنصر المخل (العقدة) في هذه القصة هو الفقر والحاجة إلى المال أما عنصر الانفراج / الحل هو حصوله على قرشين مقابل بيع دمه وشراء اللحم لزوجته ودفع إيجارهم بينما الحبكة فقد تمثلت في خاصية الاسترجاع (فلاش باك) فقد تمثلت في استرجاع عبده أيام مجده وذكرياته والناس الذين عرفهم وعمل معهم وشوقه إلى الغير الذي دار كما تميزت بخاصية الخطية الزمنية بكون القصة تميزت ببعد الأحداث بشكل منتظم أما بخصوص رهان القصة فقد عالج القاص مشكل الوضع الاجتماعي المزري "الفقر" والشخصية التي يبدلها الفقير من أجل تلبية رغبات الأسرة بالإضافة إلى الاستهجان بسلوك انتهازية بين أهل المال والفقراء أما العنصر الثاني المتمثل في القوى الفاعلة وخصائصها فيمكننا تصنيفها إلى قوى آدمية تمثلت في عبده الرجل الفقير المكافح البائس وزوجته نفيسة المرأة الجشعة المتوحمة لكنها رغم ذلك حنونة. بالإضافة إلى جيران عبده وهم أناس طيبون يواسونه ويقرضونه إذا لم يعمل ويقترضون منه إذا عمل. وسيد القاطنين "طلبة" وهو الرجل الذي عرض على عبده بيع دمه والممرض الذي دخل في جوار مع عبده ومنعه من إعطاءه الدم مرة أخرى نظرا لسوء صحته. أما القوى الفاعلة غير الآدمية تمثلت في الورشة والمطعم والعمارة والمقاهي والشارع كلها أمكنة عمل بها عبده بالإضافة إلى مكان التطبيب وبيع الدم وأعضاء البشر وهو أيضا المكان النظيف الذي كله أبيض في أبيض، والآن سنعمل على جرد العلاقات القائمة بين القوى الفاعلة بخلفية النموذج العاملي والتي تتمثل في ثلاث علاقات وست عوامل، وعليه فعلاقة عبده بنفيسة هي علاقة زوجية وعلاقة عبده ونفيسة بالجيران هي علاقة مجاورة وعلاقة عبده بسيد القاطنين هي علاقة مصلحة، وعليه فالعامل الذات هو عبده والعامل الموضوع يتمثل في سعي عبده لإرضاء زوجته وسد حاجاتها ومتطلباتها اليومية والعلاقة بينهما علاقة وصل ورغبة، أما العامل المرسل فهو الفقر وإحساس عبده بالحاجة الماسة للمال والعمال المرسل إليه هو بيع عبده دمه مقابل قرشين والعلاقة بينهما علاقة إرسال، والعامل المساعد هو سيد القاطنين "طلبة" والعامل المعارض هو الممرض ورفضه لعبده نظرا لسوء صحته والعلاقة بينهما علاقة صراع، أما بخصوص البنية العاملية سنتطرق لها بخلفية النموذج العاملي وتتكون من ثلاث بنى. أولها بنية تعدد وتباين الرغبات وهي رغبة عبده في تلبية رغبات زوجته ورغبة الزوجة في أكل الخوخ وتحسرها على طفلها الذي سيولد بخوخة، أما بخصوص بنية صراع الرغبات فتمثلت في صراع عبده مع زوجته وصراعه مع الدنيا وصراعه مع نفسه وضميره الذي يؤنبه كلما قالت له نفيسة ما تقوله نساء الحتة عنه بالإضافة إلى صراعه مع الفقر، أما بنية تفسخ وحل الرغبات فتمثلت في بيع عبده لدمه وكسبه القرشين وإرضاء زوجته ودفع إيجاره. والآن سننتقل إلى دراسة الفضاء وينقسم إلى قسمين زمان حقيقي ونفسي ومكان حقيقي ونفسي، ويتجلى الزمان النفسي في إصغاءه لنفيسة وهي تقص عليه ما تقوله نساء الحتة كله وكيف عايرتها حميدة حيث تشاجرت معها بزوجها الذي يبيع دمه وإحساسه  بالمرارة أما الزمان الحقيقي يتجلى في لفه ودورانه طيلة اليوم في الشوارع بحثا عن عمل وكذا ذهابه صباح الغد إلى سيد القاطنين "طلبة" الذي بحث في طلبه والشجار الذي نشب بينه وبين زوجته في غرفتهما وذهابه إلى المستشفى لبيع الدم أما بخصوص المكان الحقيقي فهو يتجلى في المستشفى وهو المكان الذي ذهب إليه عبده لبيع دمه والحجرة وهي التي يقطن بها هو وزوجته أما المكان النفسي فهو البيت وخصوصا عند سماعه لزوجته وإحساسه بالمرارة والآن سنمر إلى دراسة المبنى الحكائ بعناصره الثلاثة. العنصر الأول: دراسة اللغة ومستويات السرد والعنصر الثاني دراسة الرؤية السردية والعنصر الثالث دراسة العقدة والحل. وسنبدأ الآن بالعنصر الأول فعلى مستوى اللغة السردية وظف القاص خاصية التهجين ومثاله في النص دمك فاسد ـ أيوه ـ حناخذ منك النهاردة ـ لغط نفيسة ودوشتها...
    وظف القاص اللهجة المصرية بالإضافة إلى خاصية الحوار المتعدد فقد وظفه عندما تحاور عبده مع الممرض في المستشفى ومثاله : لا ، ليه ، أنيمية ، أنميمة إيه ؟... فقر الدم ..، كما وظف القاص خاصية السرد حيث اعتمد خاصية الخطية الزمنية التي تمثلت في سعي عبده لكسب قرشين وذكر مختلف الأعمال التي قام وما أصابه من مشاكل واعتراضات التي واجهت طريقه بالإضافة إلى خاصية الاسترجاع "فلاش باك" وتمثلت في استرجاع عبده أيام مجده وذكرياته والناس الذين عرفهم وعمل معهم وشوقه إلى الخير الذي ضاع منه وكذلك خاصية الوصف فقد وصف القاص بعض عناصر المتن الحكائي كالقوى الفاعلة حيث وصف عبده بالرجل الفقير البائس. أما بخصوص الرؤية السردية فقد وظف القاص الرؤية من الداخل حيث حاز الراوي الوظائف الثلاثة الرواية والقص والعلم والمعرفة والمشاركة كقوة فاعلة. أما بخصوص اللحظة فأبرز لحظات النص أخذ الدم من عبده وشعوره بالدوران ونومه بجوار حائط المستشفى حتى العصر. أما اللقطة فهي شعوره بالمرارة والألم الداخلي لكثرة كلام الناس عنه وعن عمله الجديد. أما الموقف فقد تمثلت في الانهيار والألم وسوء حالة عبده الصحية بالإضافة إلى الانتهازية والاستغلال الصارخ بين أهل المال والفقراء وكذلك مدى قساوة الوضع الاجتماعي الذي يفرض على الفقير بيع دمه مقابل لقمة عيش. أما القيم والأنساق الفكرية فقد تمثلت في الفقر والأزمات والمشاكل التي يعانيها الفقراء سبب النقص المادي بالإضافة إلى البطالة وعدم تكافؤ فرص الشغل والتضحية التي يبذلها الفقير لإرضاء وإسعاد عائلته والمحبة التي يكنها رب الأسرة وسخائه بأعضائه ودمه في سبيل عائلته وتوفير لهم أبسط وسائل العيش.

    ومن خلال تحليلنا لهذا النص القصصي تبين لنا مثل جنس القصة نظرا لالتزامه لمجموعة من الخصائص والمميزات كتلبيته للحاجة الاجتماعية حين عبرت القصة عن قضايا المواطن وهمومه الاجتماعية (الفقر). بالإضافة إلى احتوائها على عناصر المتن الحكائي الخمسة (الأحداث والوقائع ، القوى الفاعلة ، الفضاء ، العقدة ، الحل). وكذلك احتوائها على عناصر المبنى الحكائي المتمثلة أيضا في خمسة عناصر (اللغة ومستويات السرد، الرؤية السردية، اللقطة ، الموقف).


    حسناء شكير
    مريم حديد
    ابتسام الخيدار
    خالد تزروفين
    محمد باصور
    سهيلة العوماري
    خديجة اجيلي


    صفحتنا


    عدد المشاهدات