التكنولوجيا
تشكل التكنولوجيا أحد مظاهر تقدم النشاط
الحيوي للإنسان و اختلاطه بحياته اليومية و التفاعل معها. فقد تعددت التعاريف
المسندة أليها بتعدد المجالات التى تأثرت بها و اندمجت معها و يبقى الجلي فى الامر
هو أن التكنولوجيا هى تطبيق عملي واقعي للعلم الحديث و تجسيده على أرض الواقع .
علم حديث من نسج جهد الإنسان و بذلك تنتمى التكنولوجيا الى المجال الحضاري الذي هو الآخر
ينظم مناحي الحياة الإنسانية ،بالإضافة أن التكنولوجيا يكتسيها طابع من الحداثة و
بذلك تندمج بالأساس ضمن مجزوءة قضايا معاصرة. وفي جوهرها، ان التكنولوجيا مفهوم
عام و شامل له امتدادات كبرى في مجالات متباينة، و لكن تبقى علاقتها بالإنسان
علاقة وطيدة. و منه يمكن الاحاطة بموضوع التكنولوجيا كموضوع شائك من خلال الاسئلة
التالية.
1.
ما هو تعريف التكنولوجيا ؟
2.
أين وقع التباين في الآراء حول مفهوم التكنولوجيا
؟
3.
أين تتجلى علاقة التكنولوجيا بالإنسان ؟
4.
هل من الصحيح اعتبار التكنولوجيا مفهوما حديثا
و عصريا ؟
التكنولوجيا هي كلمة ترجمت ترجمة حرفية من أصلها اليوناني الذي
يعتبرها كلمة مركبة من لفظين "تكنو" و " لوجيا" أي
"تكنو" التي تعني تقانة و التي تتميز بطابع فني بالخصوص ،تم
"لوغوس" Logos التي تعني
منطق أو علم و بذلك بمزج اللفظين، نحصل على تكنولوجيا التي تعني - حسب أصلها
اليوناني- كل علم أو منطق يدرس نتاجا إنسانيا تقنيا لكن من منظور فني أو جمالي
بالأساس. و نظرا لتعدد تأثيرات
التكنولوجيا على مختلف مناحي الحياة البشرية، ضل من الصعب الحسم في وصفها
بالاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها، دون نسيان تداخل كل هذه المجالات في بعضها
البعض مما يرفع من صعوبة التحدي و يجعل منه شبه مستحيل التحقق. و هنا تطرح اشكالية
تباين الآراء و اشتداد حرارة النقاش حول توجيه مفهوم التكنولوجيا في منحى وحيد، أي
أن التعريف بحد ذاته لا يزال عرضة للشك و التفنيد أو حتى الد حض. فبمقارنة مختلف
وجهات النظر، نجد أن المفاهيم المسندة اليها تصب في منحنين كبيرين. يتجلى الأول في
وصف التكنولوجيا كتطبيق للعلم الحديث،و بذلك يتم تقسيم هذا الأخير الى شقين : شق نظري و شق
عملي. الأول يتشكل من الاجتهاد العلمي و خلق نظريات و قوانين على الورق و بذلك
تبقى بعيدة عن أرض الواقع و عن الجانب المادي. وأما الثاني فهو الجانب المادي أي
التطبيقي و هنا يظهر مفعول التكنولوجيا التي تحول أرقاما و جملا على الورق الى
اختراع أوانتاج مادي في الواقع و بذلك التكنولوجيا تقرب شيئا ما كل ما هو مبهم في
النظريات العلمية الى انتاج واضح على أرض الواقع. بإيجاز تشكل التكنولوجيا في نظر
الأشخاص الدين يدافعون وجهة النظر هاته ، الجانب التطبيقي من العلم الحديث. هذا
من جهة، و أما من جهة أخرى فالتكنولوجيا تعتبر كوسيلة بناها الانسان لتحقيق
حاجياتيه اليومية،و هنا يلحظ تمايزا بين وجهتي النظر، فكلتا هما تعتبران
التكنولوجيا متعلقة بالجانب المادي لكن الأولى تقول أنها تنبع من الحاجة الى تقريب
الجانب النظري الى الواقع (من المبهم
الى الجلي) ،و الثانية تساند أن التكنولوجيا تنبع من حاجة الانسان الى تحقيق حاجياته
اليومية كأي كائن حي بالفطرة. ومن ذلك ،يلاحظ التشابه أيضا في كون وجهتي النظر
المختلفة تربط التكنولوجيا بالإنسان و هنا يتحقق مبدأ "الحاجة أم الاختراع".
ومع ذلك وصف علاقة التكنولوجيا بالإنسان بالتكاملية أو غيرها
سيعتبر جورا في حق اللفظ الآخر لكون كل منها يحمل نفحات من الصح و العقلية.
فمصداقا لقول الكاتب حديثا عن مثال اختراع الفأس في شكله المحدد و مقاييسه
المضبوطة "فالفأس في هده الحالة امتداد للجسم البشري" و حديثا عن العجلة
و مختلف الأمثلةو بذلك فالتكنولوجيا تبتدئ عندما تنتهي قدرات الإنسان على تحقيق
الغاية المطلوبة ،اليد البشرية لا يمكنها القيام بالعمل الذي تقوم به الفأس نظرا
لهشاشتها و ضعف الأنسجة الحية المكونة لها، وأما العجلة فهي أيضا تشكل تكميلا
للرجل البشرية التي يتعذر عليها التنقل بنفس السرعة و الانسيابية. وهنا يمكن
الرجوع الى مفهوم التكنولوجيا كوسيلة ،فسبب اختراع الفأس من طرف الانسان و جعل جهة
منه حادة و محمله من الخشب هو تعذر على الانسان تقطيع أشياء صلبة صادفها في حياته
اليومية،اذن تحقيق حاجيات و غايات يومية.
هذه المقاربة تصب بنا أيضا في اشكالية مختلفة
و بعيدة عن اختلاف المفاهيم أو العلاقة بين التكنولوجيا و الانسان ،بل في منحى السياق
التاريخي للتكنولوجيا أو فترة ظهورها ،هل لازمت الانسان طيلة وجوده أم هي حديثة
المنشأ؟ هل ترتبط بالعصور القديمة الغابرة للإنسان أم فقد واكبت تقدمه في مختلف
المجالات؟ وضمن الاجابة عن هذه الاسئلة يكون الخطاب موجه الى المتلقي :لا تحسم قطعا في الاجابة لأن ذلك سيكون تسرعا
خاطئا منك بل استبصر كل وجهات النظر و حاول ايجاد منحى يناسبك،و ليت يكون هذا
كافيا لتقريب الصورة من المتلقي. فمن خلال ملاحظة مثال الفأس و اليد البشرية،
التكنولوجيا جانب لازم الانسان مند ظهوره و بذلك ليس من الصحيح وصفها بالحديثة أو
حتى ربطها بالقضايا المعاصرة. لكن تطورها عبر الزمن، يخلق صورة قطيعة بين
التكنولوجيا في الماضي و الحاضر لأن الآن يكتسيها طابع من العصرنة و أصبحت تميل
الى العلم أكثر من أن تميل الى تحقيق حاجات فطرية للإنسان ،لذلك فمن "الغباء
" ربط التكنولوجيا بالعصور الهمجية للإنسان و هي ذات طابع فني حديث.
ظلت التكنولوجيا تلازم الانسان رغم تطورها عبر
العصور، و ارتبط مفهومها بمختلف المجالات و لا يمكن التغاضي عن دورها في تحويل
الحياة البشرية اليومية من فطرية أو حتى حيوانية الى اجتماعية و علمية و بالأساس
منظمة.
حمزة مستضرف
أولى باكلوريا علوم رياضية