• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • تحليل المقالة النقدية الانساق والبنية لكمال ابو ذيب


    الأنســـاق و البـــنية

    ((أرض بلا معاد))
    1-  ((حتى و لو رجعت يا أوديس
    2-  حتى و لو ضاقت بك الأبعاد
    3-  و احتــــرق الـدليل
    4-  في وجهـــك الفـاجع
    5-  أو في رعبــك الأنيـس
    6-  تظــل تاريخا من الرحيل
    7-  تظــل في أرض بلا معاد
    8-  تظــل في أرض بلا ميعاد
    9-  حتى و لو رجعت يا أوديس
                                                                      أدونيــس


    تــتألف القصيدة من جملة واحدة هي جملة الشرط (لو + فعل الشرط + جواب الشرط). و تندرج تحت فعلها الأول تفرعات ثانوية، فيما يعمق فعلها الثاني بسلسلة من التكررات. بيد أن جملة الشرط ليست مطلقة، بل محكومة بالأداة حتى. و هذه الخصيصة تمنح الشرط توترا داخليا حادا، إذ إنها- فيما يبدو أنها ترجح إحدى إمكانيتي الشرط النظريتين. و هي الإمكانية الايجابية (الرجوع) تعمق نفي هذه الإمكانية مؤكدة نتيجتها السلبية سلفا: أي أنها، بكلمات أخرى، تجعل مضمون فعل الشرط ممكن التحقق نظريا، لكنها تجعل تحققها عاجزا عن تغيير شيء من الطبيعة الضمنية لجواب الشرط.
    منذ البدء، إذن، تتناوس القصيدة بين إمكانية تحقق فعل الشرط و امتناع تحققه، لكن هذا التناوس يصبح غير ذي دلالة في ضوء عاملين: بدء جملة الشرط بـ ((حتى)) و طبيعة جواب الشرط الذي يساوي بين الحالتين: اللاتحقق والتحقق، إذ يقود كلاهما في النهاية إلى النتيجة ذاتها: الثبات على حالة واحدة لا متغيرة، كانت قائمة قبل تحقق الفعل، و تبقى قائمة بعده.
    (...) تتجسد الخصيصة الجوهرية لجملة الشرط، كما بلورت قبل قليل على كل مستوى من مستويات بنية القصيدة. ففعل الشرط، مثلا، ليس واحدا، بل إنه ينقسم إلى بديلين متضادين: أحدهما داخلي (ينسب الفاعلية إلى الذات/ أوديس) و الآخر خارجي (ينسب الفاعلية إلى الخارج: الأبعاد/ الدليل). بيد أن البدائلية، هنا، ليست فاعلية إيجابية، إذ إنها تصبح هي بدورها غير ذات معنى، لأن كلا من البديلين يقود إلى النتيجة ذاتها:
    البديل الأول                     رجعت يا أوديس
    البديل الثاني                     ضاقت بك الأبعاد
                                      و احترق الدليل
    (...) يتألف جواب الشرط من نسق ثلاثي، خصيصته الأولى هي الثبات و تعميق الثبات و السكونية (تاريخ من الرحيل، أرض بلا ميعاد، بلا معاد)، و ليس فيه أي فعل للحركة، رغم أن مضمونه الأساسي هو الرحيل: و هو فعل الحركة الدائبة.
    و الرحيل يتحول تاريخيا، لا عملية حاضرة. و دلالة الفعل الوحيد في هذا النسق هي دلالة الثبات و انتفاء التغير والزمنية (تظل...)، و يتعمق الثبات عن طريق الثنائية البارزة، الزمان/ المكان التي يعمل طرفاها الآن، لا في اتجاهين متضادين، بل في اتجاه واحد هو تأكيد السكونية. فالزمان –التاريخ- مرتبط بالثبات لا يمكن إخضاعه للتغير، و الأرض (التي تتكرر) تتجسد هنا ثباتا مطلقا يشد الإنسان إليه مسمرا إياه. فهي أرض بلا ميعاد، وبلا معاد، تقف معزولة عن الماضي و المستقبل، منقطعة عنهما، أي ثابتة دون قوى تستطيع أن تدخلها في سياق التغير.
    كما يتعمق الثبات من تنامي ثنائية ضدية أخرى هي: الأرض/ الماء، يتجسد فيها الماء (البحر، مكان الرحيل) أرضا. أي أنه يسلب من مائيته و حركيته، وسيولته، و متغيريـته، و يجمد في طبيعة صلبة، جامدة مستقرة استقرارا مطلقا.
    أخيرا، يتعمق الثبات في تأسيس الثنائية الضدية ميعاد/ معاد التي تشد المستقبل/ الماضي، مكانيا وزمانيا (الميعاد نقطة زمانية في المستقبل، و مكان مستقبلي (أرض الميعاد)، و المعاد نقطة زمانية في الماضي ومكان ماضوي (مكان الانطلاق و العودة)، أي أن هذه الثنائية تتواشج مع ثنائية التاريخ/ الأرض، و بهذا التواشج تبلغ بالثبات وانتفاء الحركة النابعين من انتفاء العلاقات بالماضي و المستقبل زمكانيا درجتهما الأسمى (...) و هكذا تنقلب القصيدة لغويا ليصبح وسطها جوابا لبدايتها و نهايتها، مشكلة بنية مرآتية تحول بنية القصيدة إلى حركة متجهة إلى المركز من البدء و النهاية، بدلا من الحركة المتنامية عادة، معمقة الثبات و مانعة الحركة خارج القصيدة.
    (...) فالقصيدة، إذن، تؤكد الثبات حتى في سياق الحركة، و إذ نعاينها هذه المعاينة ندرك وظيفة النسق في بنيتها. فالنسق فاعلية تثبيت و تصلب و كبح للحركة، أي  أنه، بحكم طبيعته، يكون هنا تعميقا حادا لرؤيا القصيدة الجوهرية، و تجسيدا لها إلى درجة يتحول معها إلى عنصر دلالي في البنية. ذلك أن ثبات البنى التركيبية هو بقاء  لها على ما هي عليه، و تكرارها تعميق لهذا البقاء و ترسيخ له. و يبلغ هذا الترسيخ ذروته في النسق الثلاثي (الذي يحتل مركز القصيدة، مشكلا في آن واحد جواب الشرط و حركة القرار فيها)، إذ يمتزج تصلب البنية النابع من التكرار النسقي مع مضمون التركيب المكرر، أي صورة الأرض الراسخة المنقطعة التي لا ميعاد لها و لا معاد لها. و يزيد من حدة هذا التوحد كون النسق يقوم على الأداة (في) (أوديـس في الأرض) التي تسمر الوجود في انتفاء مطلق للحركة.
                                                كمال أبو ديب: الأنساق و البنية.
    مجلة فصول. المجلد الأول. العدد. 4 يوليو.1981 ص: 86 و ما بعدها (بتصرف)


    التـــحلــيل:
       
       كانت عدة عوامل تاريخية وسياسية وثقافية واجتماعية، وراء تطور الأدب العربي في شقيه الشعري والنثري، ومن بينها حملة نابليون على مصر التي دامت ثلاثة سنوات استقدمت معها المطبعة التي كان لها تأثير إيجابي على حركة التأليف والإبداع والنشر والصحافة. والمثاقفة  بين العالمين الغربي والعربي، وكذا القضية الفلسطنية وخصوصا نكبة فلسطين سنة 1948، كل هذه العوامل نتج عنها ظهور ثلاثة خطابات شعرية "البعث والإحياء"، "خطاب سؤال الذات"، و"خطاب تكسير البنية" تجديد الرؤيا" أما على مستوى النثر نجد  القصة، المقالة، المسرح، المقالة، هذه العملية النثرية الشعرية واكبتها حركة نقدية ، والنقد عملية توصيفية تحليلية للعمل الأدبي، وقد انتظم النقد وفق مناهج نقدية، تستند إلى طريقة علمية لتحليل النصوص الأدبية، ومن بين هذه المناهج: المنهج التاريخي،وإطاره المرجعي علم التاريخ،والمنهج الاجتماعي وإطاره المرجعي علم التاريخ ،ومنهج النفسي ويعتمد علم النفس كإطار مرجعي، ثم المنهج البنيوي أطره المرجعية علم اللغة واللسانيات. والمنهج البنيوي التكويني الذي  ظهر في منتصف القرن 20 ، وهو منهج يدرس النص من الداخل والخارج. ومن أطره المرجعية علم التاريخ، علم اجتماع، علم اللغة واللسانيات ويجمع بين جل المناهج، ومن رواده الغربيين نجد "لونسيان كولدمان"، و"جورج لوكاش"، وفي العالم العربي نجد غالي شكري، وجميل الحمداوي. وكمال أبو ديب وهو صاحب المقالة التي نحن بصدد دراستها والمعنونة " بالأنسـاق والبنية"، ومن ثمة يمكننا طرح الأسئلة التالية:
    -       ما مضــامين النص؟
    -       ماهــي الحقول الدلالية؟
    -       ما طبيـعة الأطر المرجعية ؟
    -       ماهي الأساليب  الخبرية والإنشائية في النص؟
    -       ما خصائص المنهج المعتمد في النص؟
    -       ما مدى تمثيلية الناقد لجنس النص؟

        ولتحليلنا لهذه المقالة لابد أولا من دراسة المضامين، وذلك من خلال تقسيمها إلى ثلاث قضايا تابعة، فالقضية الأولى تبدأ من بداية النص إلى بعده، وفيها يفكك الناقد جملة الشرط ليبرز الثنائية الضدية التي تقوم عليها القصيدة، وهي ثنائية الحركة والسكون، التي تتفرع عنها ثنائية التحقق والاتحقق.
     أما القضية الثانية من تتجسد الخصيصة إلى الحركة خارج القصيدة، وفيها يحدد الناقد الخصيصة الجوهرية المميزة لجملة الشرط والتي تقوم على عدة مستويات، حيث أن فعل الشرط متعدد يقود إلى نتيجة الرجوع والضيق، في حين أن جواب الشرط  يجسد الثباث والسكونية المطلقة تمثلت في الأرض المجهولة .
      أما في ما يخص القضية الثالثة فيمكن تحديدها من فالقصيدة إلى آخر النص، وفيها يستنتج الناقد أن القصيدة تؤكد الثباث، حتى في سياقها،وأن ثباث البنى هو البقاء على ماهو عليه ، كما استطاع الناقد الوقوف من خلال اللغة على أزمة الشعر في الزمان والمكان .أما القضية المركزية للنص فتتجسد في كون الناقد قدم لنا مقاربة نقدية لقصيدة أدونيس" أرض بلا معاد" ،وذلك وفق منهج بنيوي تكويني.
      أما بخصوص الحقول الدلالية، وانسجاما مع طبيعة الموضوع فقد يمكن توزيعها إلى حقلين دلاليين، حقل دال على الحركة، ومن المؤشرات الدالة عليه " الماء/ البحر/ حركة دائمة/ التغيير/ الرحيل/ وحقل دال على الثباث ومن مؤشراته " السكون/ الثباث/ الأرض/ الميعاد/ التاريخ.... ولعل العـلاقة التي تربط بين هذه الحقول هي علاقة تكامل وترابط الشيء الذي يعكس الثنائية الضدية التي تعبر عنها القصيدة.
    وبما أننا أمام نص تقدي فإن الناقد قد اعتمد أطر مرجعية مختلفة يمكن جردها على النحو التالي:
    علم اللغة من مؤشراته "جملة/ فعل/ أداة/ حتى جملة الشرط....
    علم الدلالة البنيوية: " الثنائية الضدية/ التحقق/ أي التأويل الذي أعطاه الناقد من خلال تفكيك جملة الشرط .
    علم الأدب: " قصيدة أدونيس ( أرض بلا معاد).
    علم النحو:"جملة الشرط (لو+فعل الشرط+ جواب الشرط)
       فالناقد اعتمد علوم ومعارف مختلفة في مناقشة مقالته، وهذا يتماشى مع المنهج البنيوي التكويني المعتمد في النص.أما  في ما يخض الأساليب الخبرية و الإنشائية أو ما يعرف بأفعال  الكلام، ونبدأ  بالخبر وهو كلام يحتمل الصدق والكذب، معياره الواقع فإن طابقه فهو صادق ، إن خالفه فهو كاذب وهو ثلاثة أنواع: ابتدائي ويكون خال من أدوات التوكيد، والمتلقي خال الذهن ومثاله " تتألف القصيدة من جملة واحدة"، وطلبي ويتضمن أداة توكيد واحدة، والمتلقي يكن شاك ومتردد، ومثاله في النص "بل إنه ينقسم إلى بديلين".
    أما الأساليب الإنشائية، فالإنشاء هو كل كلام لا يحتمل الصدق ولا الكذب ، وهو نوعان إنشاء طلبي وهو ما يستدعي وجود مطلوب ومثاله من النص" رجعت يا أوديس"، وقد جاء هنا نداء.

          انطلاقا مما تقدم نستنتج أن النص عبارة عن دراسة تحليلية، لقصيدة "أرض بلا معاد" لأدونيس، اعتمد فيها الناقد المنهـج البـنيوي التكويني. من خلال  تفكيكه إلى وحداث لغوية قصد الوصول إلى دلالته العامة . وقد اعتمد عدة أطر مرجعية تجلت في علم الأدب، وعلم النحو، وذلك وفق خطة منهجية استقرائية.ومنه يمكننا القول أن " كمال أبو ديب" مثل النمهج البنيوي التكويني خير تمثيل.
      انجاز التلميذة المتميزة سهيلة العوماري ...مراجعة ذة عزيزة هبري




    صفحتنا


    عدد المشاهدات