• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • الشاطئ المهجور


    الشاطئ المهجور
    1.    موجة السحر من خفي البحـــور             أغمري القلب بالخيـــال الغميــــر
    2.    أيقظي فيه من فتـــون وسحـــر              ذكريات من الشبـــاب الغريــــــر
    3.    قد طواها النسيان إلا شعاعــــا               غمــــر الــــروح في بقيـــة نـــور
    4.    رمــق ذاك من أشعـــة شمـــس              علقت في غروبهـــا بالصخـــــور
    5.    فتبينت في الشواطــئ حولـــي               أثـــرا مـــن غرامنـــــا المأثــــور
    6.    صخــرة كـــانت المــــــلاذ لقلبيــــــــــــن حبيبيـــن فــــي الشبـــاب النضيـر
    7.    كــم وقفنا العشي نرقب منهـــا               مغرب الشمس وانبثــاق البـــدور
    8.    وجلسنــــا في ظلهــــا نتملـــى                صفحة الماء في الضحى والبكور
    9.    وسرينـــا في ضوئهـــا نتناجــى             بهوى فــاض عن حنايا الصـــدور
    10.                        وانتحينا من جانب البحر مجرى             مطمئن الأمواه شـــاجي الخريــــر
    11.                        نزلت فيـــه تستحـــم النجــــوم               الزهر في جلـــوة المــــاء المنيـــر
    12.                        كل ما حولنـــا يشف عن الحب              ويفضــــــي بســـــره المستــــــور
    13.                        يا صخور الوادي يضج عليهـــا             البحر فــي جهشة المحب الغيـــور
    14.                        أين أخفيت أمسياتي اللواتــــــي               نزعتهــــا منــي يــــد المقـــــدر؟
    15.                        فانظري، ما ترين غير شقــــي              طـــاف يبكي بالشاطئ المهجــور
    ديوان علي محمود طه، ط دار العودة ص 84/85 بتصرف







    لتطور الأدب العربي في شقه الشعري عدة عوامل من بينها الانحطاط ، الاستبداد العثماني والمقاومة، حملة نابليون على مصر، المثاقفة الغربية وكذا الاستعمار الغربي. كل هذه العوامل أدت إلى ظهور ثلاث خطابات شعرية، خطاب البعث والإحياء وخطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا وخطاب سؤال الذات، وهذا الأخير الذي أصبح يمثل معاناة الإنسان العربي الذي يتمزق من خلال الحضارة الجديدة التي يعيشها، وظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وساهمت حركات شعرية في تطوره جماعة الديوان التي أسسها محمود العقاد وعبد القادر المازني وشكري وبرزت كذلك حركة الرابطة القلمية أو ما يسمى بالمدرسة المهجرية التي تأسست على يد كل من جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي، ميخائيل. وركزت على محبة الناس والتأمل في الكون والطبيعة، وتتمثل جل خصائص هذه الحركات في كونها تعكس ما بداخل الشاعر من أمان وأحلام وقلق وضجر وغربة واستيلاب. كما دعت إلى التحرر من القيود التي تكبل الشاعر، فاعتبرت ذات الشاعر هي محور الشعر. ومن خصائصها تعدد الروي والقافية وكذا حضور التجربة الشعرية عوض الغرض الشعري، واعتماده الخيال والانزياح واهتمامه بمواضيع جديدة كالطبيعة والمرأة والقيم والأخلاق... والقصيدة التي نحن بصدد دراستها "الشاطئ المهجور" لصاحبها علي محمود طه وهو من رواد الشعر الرومانسي وهو شاعر مصري عاش ما بين (1902-1945). ومن هنا يتعين علينا طرح الأسئلة الآتية:
    -         ما طبيعة البنية المعجمية والدلالية؟
    -          ما طبيعة البنية الإيقاعية؟
    -         ما طبيعة البنية البلاغية؟
    -         ما طبيعة البنية الأسلوبية؟
    -         وأخيرا ما مدى تمثيلية النص لخطاب سؤال الذات؟
    يقدم النص مجموعة من المؤشرات والعتبات لقراءته من بينها العنوان وهو مركب اسمي يتكون نحويا من مبدأ "الشاطئ" ونعت تابع لمنعوته في إعرابه "المهجور". والخبر محذوف ودلالته في القصيدة، أما دلاليا فالعنوان يتكون من عنصرين الشاطئ وهو الساحل المتكون من مجموعات متنوعة مفرقة من الرمل والحصى. وغيرها من العناصر المكونة للأرض وبدل الشاطئ على الاستجمام والاستراحة. أما العنصر الثاني "المهجور" وهو ما يتخلى عنه وينسى إما بفعل الزمان أو بعوامل أخرى. أما الدلالة العامة فهي الغربة وإشارة إلى الماضي السعيد والحاضر الشقي. يمكن تقسيم القصيدة إلى أربع وحدات شعرية فبالنسبة للوحدة الأولى فهي من البيت الأول إلى البيت الخامس وعنوانها ذكريات طواها النسيان والمتمثل مضمونها في مناشدة الشاعر البحر بأن يغرق قلبه في الخيال وأن يبعث فيه ذكريات عهود الشباب التي طواها النسيان. أما الوحدة الثانية من البيت السادس إلى البيت التاسع تحت عنوان صخرة الذكريات ومضمونها يتجسد في تبيين الشاعر وهو على الشاطئ صخرة كانت تحتضن لقائه مع حبيبته. والوحدة الثالثة من البيت العاشر إلى الثاني عشر وعنوانها المناظر الخلابة والمتمثل مضمونها بسحر غروب الشمس وبروعة طلعة القمر ومشاهدات مياه البحر الهادئة والوحدة الأخيرة من البيت الثالث عشر إلى البيت الخامس عشر تحت عنوان الحسرة أما مضمونها فيتمثل في تحسر الشاعر على أقوال أيام الهوى والصفاء التي طعنها القدر فأصبح الشاعر يتجرع غصص الكآبة والشقاء. إذن عند دراستنا لعنوان وعناوين الوحدات يتبين لنا أن التجربة الشعرية تكمن في الكآبة والتحسر والمعاناة وأزمة الذات. وتعلن هذه المعاني عن نفسها من خلال تواتر حقلين دلاليين: الأول يحيل على لذة الوصال في الماضي ومن مؤشراته النصية الدالة عليه (غرامنا- المأثور- قلبين- نرقب مغرب الشمس- هوى-  جلسنا) .
    والثاني يحيل على معاناة الهجرة في الحاضر ومن مؤشراه أيضا (جهشة المحب- أخفيت- أمساتي- نزعتها مني يد المقدور- ما ترين غير شقي- طاف يبكي- الشاطئ المهجور...) ونلاحظ أن هذين الحقلين الدلالين يعكسان ما تعيشه الذات من تمزق بين ماضي يتحقق فيه الوجود والحاضر يتميز بالعدم، مما جعل نظرته للعالم مشحونة بالتشاؤم. إذن فالحقلين أحدهما يكمل الآخر. وبانتقال إلى البنية الإيقاعية بنوعيها (الداخلية والخارجية) وبدء بالبنية الإيقاعية الخارجية نرى أن القصيدة هاته نسجت على منوال بحر الخفيف. وتفعيلته الطبيعة هي: (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن في كل شطر).
    موجة سسحر من خفي لبحور        أغمر لقلب بلخيــال لغمير
    /0//0/0  //0//0  /0//0/0         /0//0/0  //0//0  /0//0/0
    فاعلاتن   متفعلن   فاعلاتن         فاعلاتن   متفعلن   فاعلاتن
        الخبن                                 الخبن

    نرى أن تفعيلات بحر الخفيف ألحقته زحفات مفردة تتمثل في الخبن (مستفعلن أصبحت متفعلن) وهو حذف الثاني الساكن، والقافية موحدة مطلقة مثال: لغميري .
    ورويها حرف الراء، والروي هو: حرف صحيح ليس بحرف مد ولاها، وحركة الروي    (  رِ)ِ تسمى المجرى وهو: حركة الروي وحرف الياء وصلا والوصل هو: إذا انتهت آخر كلمة في البيت بحرف الهاء أو أحد حروف المد. أما البنية الإيقاعية الداخلية فتتمثل في التوازي والتكرار والمماثلة، ونجد التوازي الدلالي الذي تمثل في كلمتي (مغر ب/ انبثاق)، والتوازي النحوي يتمثل في البيت الخامس عشر والثاني عشر (يبكي/ يقضي) وهما فعلان مضارعان لديهم نفس الإعراب، أما التوازي الصرفي فنجده في البيت الثاني عشر والبيت الخامس عشر أي نفس البيت (جلسنا/ سرينا) على وزن فعلنا، وعلى مستوى التكرار نجد التكرار اللفظي مثال: (البحور، المهجور، الشاطئ، الغروب، الشمس)، تكرار الصوامت مثل (الغرير/ الغمير) في البيت الأول والثاني أما الصوائت وهي تكرار الحركات الإعرابية مثل (تكرار الكسرة 8 مرات) موجودة في البيت الأول، والتكرار العروضي المتمثل في الروي، الذي يتكرر في حرف الراء، ووحدة الوزن، أما من الناحية البلاغية فقد وظف الشاعر صورا شعرية تقتضي صور المشابهة وهي (تشبيه والاستعارة ) وصور المجاورة (الكناية والمجاز) على مستوى الصورة الاستعارية فتمثلت في البيت الحادي عشر
    نزلت فيه تستحم النجوم      الزهر في حلوة الماء المنير
    ولتحديد الاستعارة يجب تحديد عناصرها وهي: المستعار منه أو المشبه به وهو محذوف وتقديره الإنسان والمستعار له أو المشبه: النجوم والقرينة هي لفظة تستحم أما العلاقة فهي مشابهة، ونوعها مكنية لأن المستعار منه محذوف وهي موشحة لذكر المؤلم في حلوة الماء المنير ووظيفتها انزياحية. أما المماثلة في البيت العاشر (مطمئن) فهي مماثلة كلية، فالأصل في الكلمة (مطمئن) فطبقنا عليها قاعدة الإدغام فأصبحت (مطمئن، كما وظف المماثلة الجزئية في البيت السابع (انبثاق) فعند التقاء النون والباء نلفظ صوتا آخر من مخرجه وهو حرف الميم فتصبح (امبثاق). وظف الشاعر الرمز كصوت خفي بلسان كالهمس وأنواعه كثيرة منها الرموز الطبيعية واستعملها الشاعر في البيت الأول البحور، الزهر في البيت الحادي عشر والنجوم في النفس البيت، صخور- والبحر في البيت الثالث عشر. والشمس في البيت الرابع، الغروب في نفس البيت، ولدراسة البنية الأسلوبية نلجأ إلى دراسة الأسلوبين الخبري والإنشائي/ الأسلوب الخبري وهو كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته باعتبار الشاعر يسترجع لحظات الوصال الهاربة والباعثة على التحسر مثال: خبر ابتدائي يتمثل في البيت السابع: "كم وقفنا العشي نرقب منها     مغرب الشمس وانبثاق البدور".
    كونه لا يحتوي على أداة توكيد وحالة المتلقي خالي الذهن، والخبر الطلبي في البيت الثالث (قد طواها النسيان...) وهو يحتوي على أداة التوكيد "قد" وكون المتلقي شاك ومتردد. أما الأسلوب الإنشائي فهو كلام لا يحتمل الصدق والكذب وهو نوعان طلبي وغير طلبي. فالطلبي يتمثل في الاستفهام ووجوده في البيت الرابع عشر:
    أين أخفيت أمسياتي اللواتي         نزعتها مني يد المقدور؟
    والنداء وهو طلب الإقبال وجلب الانتباه استعمله الشاعر في البيت الثالث عشر:" يا صخور الوادي يضح عليها البحر في جهشه الغيور" وكذلك الأمر المتمثل في البيت الأخير:
    فانظري ما ترين غير شقي         طاف يبكي بالشاطئ المهجور
    من خلال كلما سبق يتضح لنا أن علي محمود نسج قصيدته "الشاطئ المهجور" على منوال الخطاب الرومانسي نظرا لوجود عدة خصائص لهذا الخطاب فيها كاعتماد نظام الشطرين المتناظرين وحدة القافية ووحدة البحر وهذا ما حافظ على بنية القصيدة، وظف الشاعر الأساليب البيانية البلاغية كالاستعارة ومثالها "كل ما حولنا يشف عن الحب  ويقضي بسره المستور، وهذا ما يسمى بالنزعة البيانية. كما تميزت هذه القصيدة بوحدة الموضوع ألا وهي المعاناة التي يعانيها الشاعر من الهجرة والبكاء على الماضي وذلك بحضور الطبيعة واللغة المتداولة ذات حمولة وجدانية والاحتفاظ بخصائص الرومانسية، كما يمكن أن نسميه برومانسية ما بين الحربين التي لم تستطع التحرر من الأشكال التراثية والتقاليد والمعتقدات القديمة.


    من انجاز التلميذتين : هند فؤادي و فاطمة الزهراء لحبابي




    صفحتنا


    عدد المشاهدات