• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • الموضوع:مفهوم التواصل

    اعتمد الإنسان منذ القديم على قدراته الحسية لمواصلة بني جنسه بهدف تذهيل الصعاب وتيسير حياته اليومية. بيد أنه لم يكتف بهذا فحسب، إذ نلاحظ في زمن العولمة هذا كثرة الرسائل والرموز والعلامات والصور. ومعلوم أن عصرنا مبني على ثقافة الأخذ والعطاء. إنه زمن التواصل. هذا المفهوم الذي أفاض حبرا كثيرا و أنهى أقلاما عدة يحمل في طياته عناصر و أنواع و إيجابيات وسلبيات، كما لا يخلو من تحديات
    فما مفهوم التواصل وما علاقته بالاتصال؟
    وما عناصر الوضعية التواصلية؟
    ثم ما أنواع التواصل وما تحدياته؟
    و أخيرا كيف لنا أن نحيي منزلة التواصل ونستند إليه لما فيه صلاح لنا؟

    التواصل مصدر على وزن تفاعل والذي يفيد المشاركة، وتعني الوصل، ونقيضها الفصل. ويشير إلى كل العمليات الخطابية المتداولة بين الناس على اختلافها، أي أنه ليس صفة ملازمة الإنسان فحسب، كما يعد بمثابة ظاهرة إنسانية ارتبطت بالحاجة إلى حل المعضلات والإجابة عن المشاكل في إطار جو من التعايش والتساكن. ويستند هذا النمط التشاركي على وسائل عدة أبرزها اللغة والإشارة والصورة والتعبير الجسدي، فالرموز والملامح، مما يخلص بنا إلى تعدد طرق الفهم والإفهام، والتي تعين الإنسان كائنا تواصليا بامتياز. ويتمايز هذا المفهوم عن تعريف الاتصال،فهما معا يفيدان تبادل المعلومات والخبرات بين فرد وآخر، تحقيقا للتعايش الاجتماعي، و أساسا للمشاركة في المعرفة البشرية ،وسبيلا لاستمرار الحضارة، لكن يختلفان في كون الاتصال يفيد المبادرة في إقامة الصلة من جهة واحدة، عكس التواصل الذي يفيد المشاركة في إقامة الصلة  ما دامت المبادرة تأتي من الطرفين. وعموما، يبقى التواصل في الأصل كونيا، أما التواصل الإنساني فهو فرع من هذا الأصل.
    وبغية تحقيق وضعية تواصلية ناجحة، لا بد من توفر عناصرها المتجلية أولا في المرسل، وهو المخاطب الذي يشكل مصدر التواصل، ويتقدم في مواصلة المستقبل أو المخاطب أو المرسل إليه، تجمعهما نواظم في إطار التبادل والتشارك وثالث عنصر يتجلى في موضوع الرسالة، ويشترط أن يكون متفقا عليه. ثم الهدف من التواصل، وهو الغاية أو المقصد الذي من أجله يبادر المخاطب في إقامة الصلة بالآخر. ويتم بواسطة أدوات تشكل قنوات للربط، وتتمثل في اللغة والمعجم من جهة، والأنساق التواصلية من إشارات وملامح وغيرها من جهة أخرى. كما يتأطر التواصل داخل إطار زماني ومكاني يشترط فيهما أن يكونا مناسبين ومقبولين من طرف المتواصلين. و أخيرا وليس آخرا، من الضروري أن يتشبث المتواصلون بآداب وقيم تساعد على إنجاح وإثراء هذه العملية كحسن الإصغاء وعدم المقاطعة وحسن الكلام والتدرج في إيصال الخبر، وكذا الإقرار بحق الاختلاف واكتساب قوة تحمل الطرف الآخر. فهناك أقوال مأثورة لا متناهية تكرس هذه القيم لعل أبرزها: "نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعدا فيما اختلفنا فيه". وكذلك:"رأيي صحيح يقبل الخطأ، ورأي غيري خاطئ يقبل الصواب".
    وعلى اختلاف الوضعيات التواصلية، يمكن تقسيم التواصل إلى صنفين: الأول هو تواصل طبيعي، وهو تواصل إنساني مباشر، يحدث بين شخصين أو أكثر يتواجدون داخل إطار زماني موحد، ويستعملون وسائل فطرية إنسانية. ومن مظاهره: التواصلات المتداولة بين الناس كالتواصل بين الأستاذ وتلميذه داخل حجرة الدرس. وهو لا يخلو من الإيجابيات المتمثلة في تكريس العلاقات الحميمية بين المتواصلين،  ومشاهدة رد فعل المخاطب، كما يتسم هذا النوع بالوضوح الذي من شأنه المساعدة على اكتشاف الخلل، وكذا لا يتطلب إلا توفر وسائل بسيطة فطرية متجلية في الحواس. وهو تواصل منتج تحضر فيه جل القنوات التواصلية. بيد أن هذا الصنف لا يخلو من مساوئ متمثلة في ضرورة تقريب المسافة والانضمام داخل نفس الإطار الزماني، وكذا تسلل بعض المعيقات كالعنف والجدل والصراخ. أما الصنف الثاني فهو تواصل افتراضي أو ما يصح تسميته بالتواصل الآلي، ومن سيماته: تواجد المتواصين في فضاء ين مختلفين تجمعهما عولمة الاتصالات بأشكالها ووسائلها المتعددة. فمن مظاهره مثلا تواصل أم مع ابنها المقيم في الخارج، وهو يمتاز بإيجابيات لعل أسماها تقريب المسافات بين الشعوب فيصبح العالم قرية صغيرة، يتعارف فيها الأشخاص لسهولة وحرية، كما أن الإطار الزماني لا يشكل حاجزا أمام هذا النوع من التواصل. ومن سلبياته نذكر تحويله للعلاقات الإنسانية إلى علاقات سبرنطيقية، افتراضية واصطناعية يسودها الغموض ويصعب فيها ضبط واكتشاف الخلل، كما ظهرت فيه ما يسمى بالقرصنة الإعلامية، والتي تهيم بالمتواصلين بعيدا عن عوالم الأمان والثقة.
    ومما لا شك فيه أن من الناس من يجهل بأصول التواصل وآلياته، ومنهم من يتقن ذلك ويحسنه. يتقاسم هذان الطرفان القدرة على التواصل إذ يتوفران على قدرات لغوية وحركية وتعبيرية بشكل عام، غير أنهما يختلفان في القدرة على تدبيره أو العجز عن ذلك. أما الذي يجهل أصول التواصل وآلياته فيكون عرضة للجهل لأنه يحرم نفسه من مصادر المعلومات كما أنه يعاني من مشاكل اجتماعية كالتهميش والعزلة، وما يترتب عن ذلك من أمراض و اختلالات. و أما الذي يتقن أصول التواصل و آلياته، فيكون ناجحا على المستوى الاجتماعي، إذ تكثر علاقاته وتتسع، كما تتسع مداركه المعرفية مما يخوله فرص النجاح في الحياة العملية.
    غير أن الراصد لواقعنا الحالي يلاحظ بطء الانتفاعات إن لم نقل نذرتها، ذلك أن التواصل يبقى أسيرا لعوائق تقف صامدة أمام تحقيقه وتحول دون تكليله بالفلاح، وتنشطر بدورها إلى محلية وكونية. أما التحديات المحلية فتشير إلى طمس الهوية و الوطنية و الخصائص والتقاليد والعادات والدين واللغة التي ينفرد بها الشخص. أما التحديات الكونية فتتضح في غياب التشارك الفاعل الجماعي من أجل إنتاج معلومات تواصلية. ويبقى هنا السؤال مطروحا: كيف لنا أن نحافظ على خصوصياتنا المحلية والانتفاع مما هو عالمي؟ بالفعل سؤال مبهم لكن يحتمل أجوبة شتى. يمكننا الاستفادة من عولمة التواصل لكن بشروط أولها تحصين الذات وثانيها مقترن بالانفتاح على الآخر في شتى المجالات وحسب حاجتنَا. فالانغلاق منبوذ مادام الانفتاح لايطمس الهوية ولا يجعلنا دائمي التقليد والتبعية، بل ويحافظ على شروط السلامة الخصوصية.
    على ضوء المعطيات السابقة، نخلص إلى أن التواصل مطلب حضاري يكون بوسائل متعددة.لكن استقراره رهين بأخلاقيات وضوابط.وفي رأيي أن الزمن خصم عنيد أمام المجتمعات يدعو الأفراد بدورهم إلى الاجتهاد وتنويع معارفهم من أجل مساهمة بناءة في تطوير الأنماط التواصلية والاعتياد عليها لمسايرة مطالب العصر ما دمنا نعيش في عالم يرتكز على المعلومات ومعالجتها واستثمارها.


                انجاز:التلميذة المقتدرة منية جوهر




    صفحتنا


    عدد المشاهدات