رسالة إلى مدينة مجهولة
أدت عدة عوامل إلى تطور الأدب العربي في شقه الشعري من
بينها الانحطاط والاستبداد العثماني والاستعمار الغربي وحملة نابليون على مصر
واستقدام المطبعة (مما ساعد على انتشار القراءة وإغناء الصحافة) إلى ظهور ثلاثة
خطابات متنوعة تتمثل في خطاب البعث والإحياء ثم الخطاب الرومانسي وأخيرا خطاب
تكسير البنية وتجديد الرؤيا ما يسمى شعر التفعيلة أو الشعر الحر وهو عبارة عن حركة
تجديدية اهتمت بتكسير البنية التقليدية التي اعتبرت سجنا لإبداعية الشاعر ظهرت سنة
سبع وأربعين وتسع مائة وألف، ومن أهم متزعميها هذه الحركة نجد نازك الملائكة وبدر
شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي. وقد ميز هذا الخطاب مجموعة من المميزات والخصائص
شأنها في ذلك شأن الخطابين السالف ذكرهما حيث نجد أنها تتسم بدعوتها إلى تكسير
البنية العتيقة وخرق عمود الشعر التقليدي ومناداتها إلى التمرد على البناء
التقليدي والأخذ بمجموعة من النظم الفنية منها الاعتماد على نظام السطر الشعري بدل
نظام البيت الشعري بالإضافة إلى استعمال مفهوم الرؤيا بدل التجربة والغرض. ولا
ننسى تعدد القوافي والأرواء والنظم على التفعيلة (تفعيلة البحر) بدل البحر، وأخيرا
وليس آخرا استحداث الرموز والأساطير وقصيدة رسالة إلى مدينة مجهولة قصيدة حداثية
لصاحبها عبد المعطي حجازي وهو شاعر مصري من جيل الرواد في الشعر العربي المصري الحديث
ولد بمحافظة المنوفية عام خمس وثلاثين وتسع مائة وألف تخرج من دار المعلمين ثم
أقام بالقاهرة. من أهم إبداعاته: ديوانه الأول "مدينة بلا قلب" ثم ديوان
"مرئية العمر الجميل" و ديوان "كائنات الليل" وغيرها كثير.
وانطلاقا مما سبق يتعين علينا طرح الأسئلة الآتية: ما طبيعة البنية المعجمية
والدلالية؟ وما طبيعة البنية الإيقاعية (الداخلية/الخارجية) وما طبيعة البنية
الأسلوبية؟ وما صنعة مدى تمثيلية القصيدة لخطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا؟
إن تحليل أي نص شعري كان أو نثري يقتضي بداية معالجة
أولى عتباته وهي العنوان ، وهو في قصيدة "رسالة إلى مدينة مجهولة" يتألف
دلاليا من ثلاث مكونات، فأما المكون الأول فهو رسالة وهي منظومة نثرية مقننة
بأنظمة وقواعد وموزونة بميزان ضابط تعني خطاب. وأما المكون الثاني فهو إلى مدينة أي نحو مكان راق ومتقدم ومعصرن
في حين تمثل المكون الثالث والأخير فقد تمثل في كلمة مجهولة أي غير معروفة. وأما
الدلالة العامة فتتمثل في كون الشاعر أرسل رسالة يوجه فيها خطاب نحو مدينة أي مكان
غير معلوم. والعنوان بذلك يؤسس مدلولات انزياحية من الحقيقة إلى المجاز باعتبار
الوجود والحياة شرط مهم من شروط خطاب الرسالة لكن ذلك غير متوفر هنا ومادام الشاعر
على غير دراية بدروب المدينة وطرقاتها وأزقتها فسيتسبب ذلك في تيهه الذي يخلق عنده
معاني الغربة والضياع والاغتراب والمعاناة والحنين وهذا إن دل على شيء فإنما يدل
على اهتزاز نفسية الشاعر وكآبتها وأما من الناحية النحوية فالعنوان عبارة عن جملة
اسمية تتكون من خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذه إلى مدينة جار ومجرور وهو مضاف.
مجهولة مضاف إليه والجملة الاسمية تدل على المطلق واللامحدود.
وانطلاقا من دلالة العنوان وعناوين الوحدات نستنتج أن
الرؤيا الشعرية تتمثل في تعبير الشاعر عن شعوره بالضياع والمعاناة والاغتراب
والتيه وسط زحمة المدينة، بالإضافة إلى حنين الشاعر واغترابه. هذه المدينة التي
فقدت كل المعاني السامية ويمكن تقسيم هذه القصيدة إلى مقطعين شعريين بمعيار الجملة
الشعرية. أما المقطع الأول فيتكون من ثلاث جمل شعرية تمتد أولاهن من السطر الأول
إلى السطر الخامس عشر وتتعنون بالوحدة والحنين وطبيعة الرسالة وأما مضمونها فتتمثل
في كون الشاعر استهل قصيدته بالمناداة على أبي على أنه المرسل إليه بالرغم من كونه
لا يعرف مدينته ولا مكان وجوده أو عنوانه وقيل ذلك نجد الشاعر حدد المرسل إليه على
أنه مدينة مجهولة. مما يحيل على أن المرسل إليه ليس واحدا بل إنه متعدد وقد وصف
الشاعر رسالته بالمجهولة لأنها لن تجد من يهتم بقراءاتها والرد على المرسل لانشغال
جميع الناس وانهماكهم في تحقيق مشاغلهم ومهامهم اليومية وبالرغم من كون المرسل
إليه لن يرد والمتلقي متأكد من عدم رده فهو يكتفي بقراءة رسالته ولعل هذا ما يفسر
إبقاء الشاعر أو المرسل إليه غامضا فكأن الشاعر في طلبه لقاء والده في منامه في
حالة ما إذا اثرت فيه كلمات الرسالة هذه الرسالة التي وصفها وكرر وصفها بالحزينة.
أما الوحدة الثانية فتمتد من السطر السادس عشر إلى السطر الثامن والعشرين تحت
عنوان اغتراب في مدينة بغير إنسانية. ويتمثل مضمونها تعبير الشاعر عن معاناته في
طريقه إلى المدينة في حياة وحين وصوله إلى ذلك المكان الذي وصفه بجمال بناءها
الباهر ورقي فخامته الظاهر وتتميز بجوها الحار والمستمر والزحف العمراني الذي
استأصل الحدائق والمناظر الطبيعية. وأما أهل المدينة فيتميزون بالسرعة، فالزمن هو
السيد الحاكم لهلات الناس والمتحكم في علاقاتهم بعضهم ببعض. فيصفهم بأنهم دائما
على سفر ولا يأبه بعضهم ببعض وكأن كل واحد منهم يعيش لوحده في عالمه الخاص داخل
هذه المدينة ويضرب مثالا لأبسط أنواع التضامن الواجب لا التطوعي، فعندما يموت شخص
تدوسه المارة وتدهسه السيارة من غير اهتمام من أحد سوى الشاعر وحده الذي يبكي عليه
وعلى نفسه وعلى القيم التي ضاعت وتلاشت في زحمة المدينة. وحتى علاقة الأب بابنه
فقد تمزقت الصلة وانقطعت علاقتهما، فلا يعرف الوليد مكانة الفقيد وحرمت جثة كأن من
مات لم يترك ولدا وليس له عليهم حق ولا حجة. أو أن الوليد غير معروف الأب (القيط).
والرسالة هنا إلى أهل المدينة والعموم، وأما الجملة الثالثة فتمتد من السطر التاسع
والعشرين إلى الشطر الثامن والأربعين. وأما عنوانها فهو وحدة الشاعر ومعاناته بسبب
اغترابه ويصور مضمونها ذلك الاغتراب وتلك المعاناة، ويجسده في التجاذب النفسي
للشاعر فهو حائر في تحديد مشاعره تجاه أهل المدينة. أهو لهم محب أم كاره، وهو يجيب
بأنه في بداية النهار يشعر بالكره تجاههم ليقترب منهم ويتعاطف معهم مع أسدال الليل
لخيوطه الذي يشهد تعالي أصواتهم لأنهم يتذكرون وأمواتهم وأحزانهم وآلامهم ليصيروا
في النهاية أصدقاء للشاعر. وقد قام الشاعر بعد تكون هذا النوع من الصداقة بالبوح
لهم بسر حزنه. وهو فقده لأبيه وقد قام بالمماثلة بين وضعه ووضعهم بالإضافة إلى
إخبارهم برحلته الطويلة وهو يبحث عن الحنان والعاطفة والرحمة والراحة النفسية التي
فقدها. مما أدى إلى طرد النوم من جفنيه لأن الشاعر لا ينام بل يسرح فقط في آلام
فقده لأبيه وتأنيب ضميره له لأنه لم يستطع توديعه بالرغم من أن الناس الآخرين
الذين لا يصلونه إلى قرابته بوالده قاموا بتوديعه. وبإنهائنا للمقطع الأول نمر إلى
المقطع الثاني والذي بدوره يتكون من ثلاث جمل شعرية. فأما الأولى فتمتد من السطر
التاسع والأربعين إلى السطر الثامن والأربعين وتتعنون بحنين الشاعر لأبيه ووصفه
له. وتحتوي على مضمون مفاده أن الشاعر لا يزال متمسكا ببصيص الأصل الذي كان لديه
ويظهر ذلك في معاودة مناداة الشاعر لأبيه ليقدم له الشكل لاستمراره في الترائي له
يوميا في غيابه كما يعبر الشاعر عن طابع الحزن الذي تتسم به ذكرياته وأنه لا يزال
يتذكر حتى عباءته كتفصيل بسيط لأبسط الذكريات التي ما يزال الابن محتفظا بها. ويصف
وجهه الذي يبعث الراحة، وهو أحد العوامل التي تخفف عنه حزنه وبعض آلامه ومعاناته
وأن عندما ويتخيله يراه حاملا بعض النباتات التي جمعها وبالتالي فعزاء الشاعر
استمرار تخيلة لصورة ولده لتهدأ نفسه وتطمئن روحه وتنقشع أحزانه لامتداد استضافة
لأبيه من المساء حتى السحر.
وأما الجملة الثانية فتمتد من السطر التاسع والستين إلى
السطر الثامن والسبعين، وأما عنوانها فيتجلى في افتراق الابن لأبيه وأما ما تضمنته
فيتمثل في اعتراف الشاعر لأبيه بأنه وقع في حب فتاة من أهل المدينة وأنها صورة طبق
الأصل على حالته وهي تشبيهه في كل شيء فهي أيضا حزينة لفقدها لأبيها وحبها
وقراءتها للشعر غير أن الزمن الذي وصفه بالبخيل باعد بينه وبينها ووصفه بذلك لأنه
يبعد عنه كل الناس الذين يحبهم وأما الجملة الثالثة والأخيرة والتي بها المقطع
الثاني فتمتد من السطر التاسع والسبعين إلى السطر الثاني والثمانين ويتمثل عنوانها
في المرسل إليه وطبيعة الرسالة وأما ما تضمنته فيتمثل في تحديد المرسل إليه على
أنه الأب وأن تلك الرسالة التي أرسلها إليه تمتاز بما تحمله كلماتها من معاني
الحزن من بدايتها وحتى نهايتها ويعيد طلب ملاقات الأب له في المنام ما إذا أثرت
كلمات رسالته فيه. أما من الناحية الدلالية فإن القصيدة التي بين أيدينا ارتكزت
على حفلين دلاليين أولهما يمثل عالم المدينة، أما الثاني فيتمثل ذاتية الشاعر
أمامها يمثل عالم الدينة والذي يتجلى لاغتراب بفتحة من أبرز المؤشرات الدالة عليه
(مجهولة السبيل، مجهولة العنوان والدليل، مدينة الموتى، مدينة من الزجاج والحجر،
الصيف فيها خالد، بحثت فيها عن حديقة، فلم أجد لها أثر، أهلها تحت اللهيب والغبار
صامتون، دائما على سفر جدفت ساق الوليد فوق جثة الفقيد، نسوة المدن) أما الحقل
الثاني والذي يمثل ذاتية الشاعر ويجسد شعورها بالاغتراب فنجد من أهم مؤشراته
الدالة على عليه(نجد: أولى رسائلي، هب لي، عبرت في الصبا البحور، رسوت في مدينة،
بحثت، فلم أجد لها أثر، فجعت فيهم، رأيتهم وارواز قلت لهم، ضفت بدور طردت مرة قيل
لي، لم أقف، لم أستطع مازلت طفلا، أكبر مني، ما استطعت أن أنام، تأتي إلى من روحي
وأستضيفك وقعت في هوى، رأيتها كأنها أنا، أحزاني ) ورغم أن ظاهر الجرد يبرز هيمنته
ذاتية الشاعر على عالم المدينة إلا أنهما أقاما علاقة تكامل لكون القصيدة تعبر عن
التجاذب النفسي للشاعر والاهتزاز وعدم الاستقرار فهو من جهة يعبر عن حنينه لأبيه
ومن جهة أخرى يعبر عن اغترابه في تلك المدينة التي نلاحظها في حديثه كسب للمعانات
والضياع والتيه والغربة فيها وإذا أردنا أن نقارن بين القصيدة موضوع التحليل
المعنونة برسالة إلى مدينة مجهولة وهي قصيدة حداثية بقصيدة أخرى وقد اخترنا قصيدة
وجه التآسي وهي قصيدة بعثية فإننا نلاحظ أنهما تشتركان في الانتماء إلى حركة
تجديدية إلا أنهما تختلفان في كون الأولى اعتمدت الرؤيا والرموز والأساطير
بالإضافة إلى السطر الشعري وتعدد القوافي والأرواء أما الثانية فقد اعتمدت على
البناء الرباعي والغرض الشعري ونظام البيت. ووحدة البحر والقافية والروي أي أن
الأولى اعتمدت من الناحية الشكلية على بنية مفتوحة تتفاوت من حيث الطول حسب الدفقة
الشعورية للشاعر. أما الثانية فقد اعتمدت من نفس الناحية على بنية مغلقة محكومة
بأبعاد هندسية ثابتة محكمة ومحددة. ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن هناك فرقا كبيرا
إن لم نقل تناقضا سواء من حيث الشكل من حيث المضمون. أما معالجة إيقاعية القصيدة فتتم
على مستويين. أولهما الإيقاع الداخلي ويتمثل في التوازي والتكرار. فأما التوازي
العلائقي الصرفي فيتمثل في السطرين السابع عشر والتاسع عشر في كلمتي (البحور
/فصول) على وزن فعول أما النحوي فيتحضر في السطرين السابع عشر والثامن عشر في
كلمتي (عبرت/ رسوت) وهما فعلان ماضيان مبنيان على الفتح، كما عمد الشاعر أيضا إلى
توظيف التوازي الدلالي الذي يتمثل من جهة في الترادف كما في السطر السابع والعشرين
في كلمتي (مات/قضى) فلهما نفس المعنى وهو الموت. ومن جهة أخرى في التضاد كالطباق
في السطر الثمانين (البعد≠ الختام) فلهم معنيين
متناقضين .
فالأول يعني الافتتاح والثاني يعني النهاية أو الانتهاء
ثم المقابلة كما في السطر التاسع والثلاثين (طردت مرة ≠ قيل لي تفضل مرتين)
فالجملة الأولى تعني نقيض الجملة الثانية . وأما التكرار فنجد الشاعر قد وظف
التكرار اللفظي كما في السطرين السادس والسابع حيث تكرر مصدرين هما (رسالة
/رسائلي) ثم التكرار السجعي الذي يتجلى في الصوامت وهي الحروف في حالة سكون كاللام
في كلمة حزينة ثم الصوائت وهي الحروف المتحركة في آخر الكلمة وتنقسم إلى قسمين
القصيرة وهي الحركات الإعرابية كالضمة في كلمة رسوت في السطر الثاني عشر ثم
الطويلة وهي المدود كما في لفظتي هوى وهنا في السطرين الواحد والسبعين والذي يليه
وأخيرا التكرار العروضي ويتمثل في وحدة تفعيلة البحر. وقد نظم الشاعر قصيدته على
تفعيلات بحر البسيط وتفعيلته هي "مستفعلن مستفعلن مستفعلن x2" بالإضافة إلى وحدة القافية كما في السطرين الثابت والرابع
في كلمتي (السبيل/ الدليل) بالإضافة إلى تكرار حرف الروي في نفس السطرين المسابقين
وهو اللام.
وحرف همزة في السطرين الواحد والستين والثاني والستين.
أما المستوى الثاني فهو الإيقاع الخارجي وتقتضي معالجته معالجة البحر والقافية
والروي. أما بالنسبة إلى التفعيلات ففي الخطاب الذي تنتمي إليه القصيدة ندرس
تفعيلات البحور بدل دراسة البحور ولفعل
ذلك يلزمنا تقطيع ثلاثة أبيات مختلفة الطول. والتقطيع كما يلي أولا سطر قصير أو
أقصر سطر في القصيدة وهو السطر الأول وتقطيعه هو أبي (متف) وتفعيلته من تفعيلات
بحر البسيط وقد لحقته علة بالنقص: تسمى الجذد. والجذد هو إسقاط الوتد المجموع
كاملا. ثم تقطيع سطر متوسط ، وقد اخترنا لذلك السطر الرابع مجهولة العنوان،
والدليل وقد صار بعد تقطيعه مجهولة لعنوان وددليل (/0/0//0 /0/0//0 //00
"مستفعلن مستفعلن متفع) الأصل فيها "مستفعلن " ولكن لحق بها علة
بالنقص فأصبحت متفع وهذه السبيل. فالروي هو اللام والردف هو الهاء ليس بها تأسيس
لأنها مردوفة وكما أنها لا تتوفر على وصل أو خروج لأنها مفيدة وأما حروف فتتمثل في
المجرى وهو حركة الروي (سكون اللام) في السبيل والحذو هو حركة ما قبل الردف وهي
كسرة الباء في نفس الكلمة والتوجيه هو حركة ما قبل الروي المقيد وهو (السكون)
الياء وأخيرا نجد المتراد وهو أن يتوالى ساكنيين في آخر القافية ثم نجد القافية
عموما متتابعة لأن الروي يتكرر بشكل متقارب فقد كان في السطر السابع هو النوم ثم
غاب في السطر الثامن ليعود نونا في السطر الأول كان باء لاثم في السطر الثاني تاء
لاثم في السطر الثالث لاما ثم التدوير في السطرين النافية البلاغية فقد زخر النص
بالصور البلاغية المتنوعة حيث نجد صورة المشابهة وهي التشبيه والاستعارة فأما
التشبيه فيتمثل في ما يمتد من السطر الثامن الخمسين إلى السطر الواحد والستين
فالمنسبة العباءة والمشبه به للشراع المركب وأداة الشبه كأن ووجه الشبه حركة
تصايرها بسبب الرياح.
والعلاقة المشابهة أما وظيفة التشبيه فهي وظيفة تزينية
تبيينية. وأما نوعه فهو مرسل لذكر أداة التشبيه ووجه الشبه حيث يقول
الشاعر..."كل ليلة سنة"، ونجد الخاصية التناظرية التناظرية للتشبيه تحضر
في جملة كل ليلة سنة، أما الاستعارة وهي مجاز وتشبيه حذف أحد طرفيه وهي تبرز في
السطر الثامن والسبعين حيث يقول الشاعر زماننا بخيل، فالمستعار هو البخل والمستعار
له هو الزمان والمستعار منه محذوف مقدر
(بالإنسان) والعلاقة هي المشابهة والقرينة بخيل أما نوعها فهي مكنية لأنه لم يذكر
فيها أو لم يصرح بالمشبه به أو المستعار منه، بالإضافة إلى كونها مطلقة لأن ذلك
ملائم كل من المستعار له أو المستعار منه، أما وظيفتها فهي اختزالية تكثيفية، ثم
صور المجاورة وهي الكناية والمجاز. فأما الكناية وهي تعبير لا يقصد به المعنى
الحقيقي وإنما الغرض منه لازم المعنى الحقيقي مع إمكانية ورود المعنى الحقيقي كما
في السطر الأربعين حيث قال الغرباء ودعوه فهو لا يقصد بالغرباء الناس الذين لا
يعرفهم بل يقصد بكلامه الأشخاص الذين لا يعرفهم، أما المجاز فهو نوعان عقلي ولغوي،
أما العقلي فهو ما يحتاج إلى تأويل عقلي وللوصل إلى المعنى المراد فهمه كما في
السطر الثالث والثلاثين يحث يقول: أجهش الطريق بالبكاء يجد المتلقي صعوبة في معرفة
أن المقصود هو سكان أهل المدينة وليس الشارع. والطريق فيها انزياحا دلاليا حيث ثم
نسب الشيء إلى ما لا يصدق العقل أنه سيفعله وهو البكاء الحريق. أما الانزياح
اللغوي فهو الذي لا يجد فيه المتلقي صعوبة في إدراك المقصود من ورائه وفهمه كما في
السطر الثامن والسبعين حيث يقول زماننا بخيل أو في السطر السابع حيث يقول فيه
الشاعر اليك رسالتي حزينة حزينة فالقارئ يعلم
ويدرك بسرعة أن الرسالة ليست هي الحزينة ولكن المعاني التي تحملها كلماتي
هي الحزينة. أما بالنسبة إلى الرموز فنجد في السطر الثاني والعشرين كلمة سفر
والسفر رمز للاغتراب. والتحول من متعة وفائدة إلى نفي واغتراب وقد حافظ في القصيدة
على وظيفته فقد رمز إلى الاغتراب بالإضافة إلى الكثير من الرموز الأخرى كالحجر
الذي يرمز إلى الحد الفاصل وبعض الرموز الطبيعية الأخرى كالبحار فصول الغبار.
المساء، النهار، الشمس، الشتاء، الرياح، نبات الأرض، القمر، والرمز هو اللفظ الذي
يشحنه بصفات إيحائية ذات دلالات متنوعة تختلف من شاعر لشاعر وهو ما يخلف الغموض
لدى المتلقي لعدم علمه بما يعنيه الرمز بالنسبة للشاعر. أما الأسطورة وهي عبارة عن
حكاية ذات أبعاد عجيبة خارقة للعادة وعن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية
بتغيير وتحويلها وتزيينها. وهي في القصيدة حاضرة بحيث نجد أسطورة الفنييق وهو طائر
أسطوري كانت تمتد حياته إلى الخمسمائة سنة تقول الأسطورة بأنه كان يحضر محرقته
ويعدها بنفسه وبعد أن يتحول جسده إلى رماد يخرج من ذلك الرماد فنييق آخر فتي وهو
يرمز للخلود والبعث والتجدد والفتوة والشاهد من النص يمتد من السطر الواحد
والعشرين إلى السطر الخامس والعشرين ماعدا
السطر الثالث والعشرين ومن مؤشراته اللهيب + الغبار يحترقون + رمادا في نهايته +
نما سواهم في بدايته. وقد حافظت الأسطورة على وظيفتها في النص بحيث نجدها تجد معا
في الفتوة والبعث والتجدد والخلود وبما أن القصيدة حداثية فهي بالضرورة تحتوي كل
الانزياح الذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع الدلالي والنحوي والعروضي. فأما الانزياح
الدلالي فيتم خلاله إلحاق صفة أو فعل أو لازم من اللوازم الخاصة بعنصر معين بما لا
يفعل إلحاقه به لاستحالة توفر العنصر المسند إليه على تلك الصفة أو عدم قدرة غلى
القيام بالعمل الموكول له في القصيدة كما في السطر السابع والستين حيث يقول الشاعر
بجفن عيني أحضنك فهل تستطيع العين أن تحضن شخصا، بالتأكيد لا لأن ثم الانزياح
النحوي وهو الذي يتم خلاله خرق نظام الرتبة كأن يسبق الفاعل على الفعل كما في
السطر السادس والأربعين وأخيرا الانزياح العروضي وهو الذي يتم خلاله خرق النظام
المغلق للوزن والقافية والروي. أما فيما يخص نظام الوزن فيما أن القصيدة المتناولة
في البحث حداثية فإن هناك الضرورة انزياحا عروضيا نظرا لاختلاف نظام تفعيلات
البحور على نظام البحور، أما القافية فقد كانت متعددة حيث وجدنا في تحليلنا السابق
للإيقاع الخارجي أن القافية تتعدد بين مفيدة ومطلقة وبما أن القافية متتابعة فإن
الروي متعددة ونختتم ذلك (البنية البلاغية) بالمماثلة وهي ظاهرة بلاغية يتم خلالها
إحلال صوت محل صوت آخر بأثير صوت ثالث قريب منه في الكلمة أو الجملة ويمكنها أن
تتسع لتشمل تفاعل صوتين متتاليين ينتج عنهما صوت ثالث ويحدث ذلك قياسيا ومن
أمثلتها التراجعية التجاورية. فالتراجعية يكون التأثير فيها من الأصوات السابقة
على الأصوات اللاحقة أما التجاورية فيكون الصوتين مؤثر والمتأثر متجاورين لا يفصل
بينهما أي صوت، ومثال ذلك قول الشاعر في السطر الثاني والسبعين من نسوة فنون، الكلمة الأولى ونون الكلمة
الثانية متجاورتين وقد أثرت الثانية على الأولى فتم مزجهما لفظا لا محل (كتابة)
فقرأت متسوة المدن. في إطار تحليل النص من ناحية الأساليب الكلامية الموظفة فيه
فإنه يلزم دراستها على مستويين هي: أساليب خبرية وإنشائية، أما الخبرية فتنقسم إلى
ثلاثة أقسام. والخبر كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته فأما الابتدائي فيتمثل في
السطر الواحد والسبعين وقعت في هوى بنية هنا وهو ابتدائي لأنه خالي من أدوات
التوكيد والمتلقي خالي الذهن. أما النوع الثاني (للقسم) فيتمثل في قول الشاعر:
لأنها سترتمي أمام هذه المدينة فهو طلبي لأنه يتوفر على أداة واحدة للتوكيد
والمتلقي شاك ومتردد، وآخر قسم يتمثل في السطر السابع في قول الشاعر، وإنها رسالة
حزينة وهو توكيد لفظي مما يعني أن هناك توكيدين أو وسيلتي توكيد وبالتالي فهو
إنكاري نظرا للعامل السابق بالإضافة إلى كونها موجهة إلى رافض ومنكر. أما الشق
الثاني فهو الأساليب الإنشائية فتتنوع على الإنشاء الطلبي وغير الطلبي والإنشاء
كلام لا يحتمل الصدق ولا الكذب لذاته، فأما الطلبي والذي يكون إما بالأمر أو النهي
أو بالاستفهام أو النداء فتجد مثالا للنداء في السطر الحادي عشر يا غارقا في الصمت
فهو موجه إلى البعيد أما الأمر ففي السطر الثالث عشر فاقرأ ولا ترد وأما الغير
الطلبي فنجد التعجب ورد في صيغة الامر وذلك حاضر في قول الشاعر هب لي لقاء في
المنام !
هكذا يتضح لنا أن قصيدة رائية إلى مدينة مجهولة قد تميزت
باعتمادها ببنية مفتوحة يتفاوت فيها طول البيت بحسب الدفقة الشعورية بالإضافة إلى
تعدد الأرواء والقوافي واعتماد الرؤيا الشعرية بدل التجربة والغرض وتوظيف نظام
السطر الشعري بدل نظام البيت وتوظيف الرموز والأساطير والعناوين المعبرة، كما نجد
الظاهرة الإيقاعية المسماة بالتدوير كما في السطرين الأول والثاني بالإضافة إلى
اعتماد خاصيتي الترقيم والنجيمات بالإضافة إلى الانزياح والرموز والأساطير. ونجد
أن القصيدة تخلت عن التفكك البنائي المتمثل في المقدمة ثم وصف الرحلة أو الراحلة،
والغرض الرئيس.
وأخيرا شعر الحكمة بالإضافة إلى تخليه عن الحادثة التي تفقده
قيمته كلما اتجه نحو المستقبل نهيك عن اعتماده التعمق وتجاوزه للرؤية السطحية،
وأخيرا نجد أنه يتخلى عن الجزئية. وهذه السابقة كلها معطيات وقواعد تندرج تحت لواء
خطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا أي أن قصيدة رسالة إلى مدينة مجهولة تنتمي لخطاب
تكسير البنية وتحديد الرؤيا ما دامت تصور تطبيقا لبنودها.
استدراكات: الإيقاع الداخلي
والتدوير + العيوب. أما فيما يخص عيوب القافية تتمثل سناد الردف: وهو أن يكون بين
مردوف وآخر غير مردوف كما في السطرين السادس والعشرين والسابع والعشرين فالردف في
كلمة الفقيد هو حرف الياء والردف هو حرف مد أولين يأتي بعد الروي أما في كلمة يلد
في السطر التالي لم يلد الردف بالإضافة إلى سناد التأسيس وهو أن ترد القافية مؤسسة
في بعض وغير مؤسسة في الآخر، كما في السطرين السادس والثلاثين والسابع والثلاثين
ففي السطر والثلاثين نجد ألف فارغا هو التأسيس أما في السطر السابع والثلاثين
فقافية مردوفة وليست مؤسسة. أما التدوير فيتمثل في كون السطر الأول مدور فأبي
تقطيعها هو أبي (متف) والشطر الثاني تتمة
للتفعلية:
فإليك حيث أنت تقطيعها هو إليك حيث أنت
//0 //0//00
علن متفعلان
الطالبة حاذق فاطمة