• slider
  • slider
  • slider
  • slider


  • في رثاء الشاعر إدريس الجاي

    في رثاء الشاعر إدريس الجاي

    1.    أمن قفص الدنيـــا إلى قفص القبـــر            تسوقك أيدي الموت يا بلبل الشعر؟
    2.    طـــوتك يــد تختـــار كـــل نفسيــــة            ولا تجتني إلا الرطيب من النــــور
    3.    وأطفئ نور كان يومض في الدجــى سناه مطلا مثل إطلالــــة الفجــــر
    4.    وقالوا قضى إدريس، قلت نعم قضى          حقوقا عليــــه للثقافـــة والفكــــــر
    5.    مشى في ركاب الشعر يرتاد أفقـــه             وأبدع فيه وهو في ميعة العمـــــر
    6.    وراض قوافي الشعر وهي شوارد              وصــــاغ معانيـــه قلائد مـــن در
    ************
    7.    يعز علينا أن أن تكـــون فقيدتنــا                ويدعى رفاق الشعر فيك إلى الصبر
    8.    ونحن رفاق اللدرب ظلت تشدنا                 أواصير قربى باقيات مـــدى الدهــر
    9.    نحييك بالشعر الذي كنت واقفــا                 بمحرابه القدسي تشـــدوه في كبــــر
    10.  سنهديك منه باقــــة عبقريـــة                   مضمخة الأنفــــاس، فواحة النشـــر
    ************
    11. ألا ليت شعري هل يجودون بعدنا               علينا كما جــــدنا ببيت من الشعــــر؟
    12. ولست سعيدا أن أقـــوم بمــــوقف               يذكرني مــــاذا سيفضي له أمــــري
    13. وحسب المنايا واعظـــا لمغفـــــل               يخبر عنهـــا وهي منه على شبــــر !
    14. ولم أرث إدريســــــا بشعري وإنما              رثيت به نفسي وإن كنت لا أدري !
    محمد الحلوي.ديوان شموع. المدارس. الدار البيضاء.1988، ص330 وما بعدها (بتصرف)





    تحليل قصيدة "في رثاء الشاعر إديس الجاي"
    لمحمد الحلوي
    ساهمت عدة عوامل في تطور الأدب العربي في شقه الشعري من بينها الانحطاط والاستبداد العثماني والاستعمار الغربي وكذا حملة نابليون على مصر والتي استغرقت ثلاث سنوات، بالإضافة إلى استقدام المطبعة التي طورت الكتابة والصحافة والترجمة علاوة على حركة المقاومة مما أدى إلى ظهور الخطابات الشعرية الثلاثة (خطاب البعث والإحياء، خطاب سؤال الذات، خطاب تكسير وتجديد الرؤيا). ونحن في هذا الصدد ضمن خطاب البعث والإحياء الذي ظهر إبان عصر النهضة أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ومن أهم رواد هذا الخطاب نجد محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وعلال الفاسي ومحمد الحلوي وحافظ إبراهيم. ويتميز هذا الخطاب بخصائص عدة منها المحافظة على النهج القديم للقصيدة العربية والذي يتكون من (مقدمة طلبية- غزلية- وصف الرحلة والراحلة، الغرض الشعري وهذا ما يسمى بالبناء الثلاثي وأما البناء الرباعي فينضاف إلى مكونات الثلاثي شعر الحكمة). بالإضافة إلى اعتماد نظام الشطرين المتناظرين ووحدة القافية والبحر الشعري ووحدة الروي وكذا نظام البيت الشعري، كما حاول هذا الخطاب تصحيح مفهوم الشعر فهو فيض وجدان وتألق خيال، وأن للشعر رسالة تهذيب النفوس وتمهيد الخواطر.
    كما حاولت هذه المدرسة الابتعاد عن التكلف والتصنع من أجل الحصول على الطبع والسليقة، علاوة على اعتمادها على النزعة البيانية المتمثلة في توظيف الشاعر الصور البلاغية كالتشبيه والاستعارة والكناية والمجاز... والقصيدة التي بين أيدينا تحت عنوان "في رثاء الشاعر إدريس الجاي" لمحمد الحلوي وهو شاعر مغربي ولد بفاس سنة 1922 وعمل بسلك التعليم،نظم في مختلف الأغراض الشعرية مثل المدح والرثاء وله ثلاثة دواوين شعرية "أنغام وأصداء" "شموع" "أوراق الخريف". وقد توفي سنة 2005 وهذه القصيدة تندرج ضمن خطاب البعث والإحياء. ومن هنا يمكننا طرح الأسئلة الآتية:
    1. ما طبيعة البنية المعجمية والدلالية؟      2 . وما طبيعة البينة الإيقاعية؟
    3. وما طبيعة البنية البلاغية؟             4. وما طبيعة البينة الأسلوبية. وأخيرا
    5. ما مدى تمثيلية النص لخطاب البعث والإحياء؟
    يقدم هذا النص مجموعة من العتبات والمؤشرات لتحليله منها العنوان "في رثاء الشاعر إدريس الجاي"، فعلى المستوى النحوي فهو مركب اسمي والجملة الاسمية تدل على المطلق اللامحدود، وأما على المستوى الدلالي فالعنوان يتكون من مكونين، فالمكون الأول "في رثاء" يدل على موضوع شعري الذي يتطرق فيه الشاعر إلى ذكر خصال ومناقب الميت وأما المكون الثاني "الشاعر إدريس الجاي" فهو يدل على اسم شاعر من شعراء المغرب وقد توفي سنة 1978، وأما الدلالة العامة للعنوان فتتجلى في كون الشاعر محمد الحلوي قد أشار في هذه القصيدة إلى تعداد محامد الفقيد إدريس الجاي. ولدراستنا للوحدات الفكرية يمكن تقسيم القصيدة إلى ثلاث وحدات فكرية، فالوحدة الأولى من البيت الأول إلى البيت السادس تحت عنوان "موت الشاعر إدريس الجاي" والمتمثل مضمونها في رثاء الشاعر موت إدريس الجاي من حيث كونه ينتقل من قفص الدنيا إلى قفص القبر، كما شبه ضوء شعره بنور الفجر، بالإضافة إلى ذكره أنه كان مبدعا في شبابه في مجال الشعر، وأما الوحدة الثانية فمن البين السابع إلى البيت العاشر تحت عنوان "رثاء إدريس الجاي" ومضمونها يتمثل في كون الشاعر يتطرق إلى حالة فقدانه لإدريس الجاي، وذلك من خلال دعوته لأصحاب هذا الفقيد بالصبر إذ تجمعهم روابط إلى الأبد، كما يقدم له تحية تجاه شعره. وأما الوحدة الثالثة فمن البيت الحادي عشر إلى البيت الأخير تحت عنوان "تمني الشاعر أن يكون شعره كالشعر القديم".
    وأما مضمونها فيتمثل في كون يستند إلى الشعر القديم كمرجع أساسي، كما أنه عاش في قلق وحزن ولكن عندما يتفكر في الموت يقوم بوعظ وإخبار وتحذير المغفل من الموت واستحضاره للجزاء، وفي الأخير يوضح أنه يرثي إدريس بنفسه وليس بشعره. ومن خلال دراستنا للعنوان والوحدات الفكرية يتضح لنا أن الغرض الشعري في هذه القصيدة هو الرثاء وهو تطرق الشاعر إلى مكارم المرحوم إدريس الجاي. وبانتقالنا إلى دراسة الحقول الدلالية، فإن النص يتضمن حقلين دلاليين هما: حقل دال على الشعر ومن مؤشراته النصية (الشاعر، بلبل الشعر، ركاب الشعر، قوافي، رفاق الشعر، شعري...) وحقل دال على الموت ومن بين ألفاظه النصية (القبر، الموت، قضى، فقيدنا، المنايا...) ومن خلال هذه المؤشرات يتضح أن العلاقة بين هذين الحقلين هي علاقة تكاملية وانسجامية لأن موضوع هذه القصيدة هو ذكر موت الشاعر إدريس الجاي وشعره، وأما بالنسبة للمقارنة فتتم من خلال مقارنتنا بين نصين شعريين هما: نص "في رثاء الشاعر إدريس الجاي" ونص "رسالة إلى مدينة مجهولة" وذلك من خلال بيان أوجه الائتلاف والاختلاف بينهما، فيتفقان في كونهما نصين شعريين ويختلفان من حيث الشكل، حيث أن النص الأول يعتمد على البناء التقليدي للقصيدة، وأما الثاني فيتجاوز هذا البناء، بالإضافة إلى الموضوع الشعري، فالأول يعتمد على الغرض الشعري، وأما الثاني فيعتمد على الرؤيا الشعرية، فالنص الأول نموذج لخطاب البعث والإحياء، والثاني نموذج لخطاب تكسير  البنية وتجديد الرؤيا. وأما بالنسبة للبنية الإيقاعية فتتمثل في الإيقاع الخارجي والذي يتمثل في  تحديد الروي والقافية والبحر الشعري، ولتحديد كل هذه العناصر يجب القيام بعملية تقطيع البيت الشعري من القصيدة.
    البيت الأول:
    أمن قفص ددنيا إلى قفص لقبري                         تسوقك أيد لموت يا بلبل ششعري
    //0/  //0/0/0 //0/   //0/0/0                         //0/  //0/0/0  //0/0  //0/0/0
    فعول  مفاعيلن  فعول  مفاعيلن                          فعول  مفاعيلن  فعولن  مفاعيلن
    الحذف          الحذف                                      الحذف

    لقد نسج الشاعر قصيدته على وزن الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن x2)  ولقد أصابته علة الحذف وهي إسقاط السبب من آخر التفعيلة (فعولن أصبحت فعول).
    وروي هذه القصيدة هو حرف الراء وهو متحرك، موحد وقافيتها (شعري) وتحدد القافية من آخر التفعيلة في البيت إلى أول ساكن مع المتحرك الذي قبله، بمعنى أنها أول متحرك بعد ساكنين ابتداء من الشمال (/00)، وقد جاءت القافية هنا مطلقة لان حرف الروي جاء متحركا وهو الذي يتحكم في القافية، فإن كان ساكنا فالقافية تكون مقيدة وإن كان متحركا فالقافية مطلقة. ومن بين حروف القافية المتواجدة في هذه القصيدة نجد الوصل وهو حرف الهاء أو حرف مد يأتي بعد الروي وهو  في هذه القافية (حرف الياء) ومن بين حركتهما نجد المجرى وهو حركة الروي الذي هو الكسرة في هذه القصيدة (شعري)، بالإضافة إلى المتواثر وهو أن يقع متحرك بين ساكنين (شعري ).
    وأما بالنسبة للإيقاع الداخلي فيتمثل في التوازي العلائقي النحوي (تختار، تجتني في البيت الثاني) وهما فعلان مضارعان، وأما العلائقي الصرفي فيتمثل في البيتين التاسع والثالث عشر (واقفا، واعظا) على وزن فاعل،ـ بالإضافة إلى التوازي الدلالي والمتمثل في التضاد (قفص الدنيا قفص القبر في البيت الأول) وهو الطباق. وأما التكرار فيتجلى في التكراري السجعي الصمتي وهو حروف في حالة السكون مثل (أمن قفص الدنيا ...) في البيت الأول. وأما التكرار السجعي الصوتي فينقسم إلى القصيرة وهي الحركات الإعرابية مثل (تختار... تجتني...) في البيت الثاني والطويلة وهو تكرار المدود مثل (يذكرني ... سيفضي... أمري...).
    في البيت الثاني عشر، بالإضافة إلى التكرار اللفظي وهو تكرار الكلمات إما مصدر مصدر أو مصدر فعل أو فعل فعل مثل (مطلا وإطلالة في البيت الثالث) وجاءت عبارة عن مصدر مصدر، وفي البيت الحادي عشر (يجودون، جدنا) وهو فعل فعل، وأما التكرار العروضي فيتجلى في تكرار بحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعلون مفاعيلن...) وقافيته موحدة ومطلقة (الشعر النور...)، ورو موحد وهو حرف الراء. بالإضافة إلى المماثلة الجزئية وهي التي يكون فيها التأثير بين الأصوات المتفاعلة فيما بينها ضعيفا كأن نكتب حرف ونلفظ صوتا من مخرجه ومثال ذلك في البيت الرابع عشر (إدريساً م بشعري) حيث نلفظ النون ميما فتصبح (إدريسمبشعري)، ولقد وظف الشاعر مجموعة من الصور الشعرية منها الاستعارة في البيت الأول (أمن قفص الدنيا...) ولمناقشتها يجب علينا تحديد ست عناصر وهي المستعار منه وهو محذوف تقديره (العصفور) والمستعار له وهو الدنيا، والقرينة هي القفص والعلاقة هي المشابهة ونوعها مكنية وليست مجردة لأنها ليست فيها ملائم المشبه أي المستعار له ووظيفتها في النص هي وظيفة انزياحية، بالإضافة إلى التشبيه الوارد في البيت الثالث.
    وأطفئ نور كان يومض في الدجى *** سناه مطلا مثل إطلالة الفجر
    ولمناقشة التشبيه يجب تحديد خمس عناصر وهي المشبه هو الدجى والأداة هي مثل والمشبه به هو إطلالة الفجر ووجه الشبه هو النور والضوء وأما الغرض من هذا التشبيه فهو تزيين المشبه. كما اعتمد صاحب النص على الأساليب الخبرية وهي كلام يحتمل الصدق والكذب لذاته، وينقسم بدوره إلى ثلاثة أنواع: خبر ابتدائي وهو خبر خالي من أداة التوكيد وموجه إلى خالي الذهن ومثال ذلك في البيت الثاني (طوتك يد تختار...) وخبر طلبي وهو الذي يحتوي على أداة التوكيد وموجه إلى شاك ومتردد كما في البيت الرابع عشر (وإنما رثيت به نفسي...)، وخبر إنكاري وهو الذي يحتوي على أكثر من أداة التوكيد وموجه إلى رافض ومنكر وغير موجود في هذه القصيدة، والأساليب الإنشائية هي كلام لا يحتمل الصدق والكذب لذاته وهي نوعان: الإنشاء الطلبي وغير الطلبي، وأما الطلبي فيتجلى في البيت الأول (أمن قفص...؟) جاء على صيغة الاستفهام، كما جاء على صيغة النداء في نفس البيت (يا بلبل الشعر) والياء هنا مستعملة لمنادى البعيد، والمنادى هنا شبيه بالمضاف وهو منصوب وتبعه كلام يتممه وهو (الشعر). وأيضا ورد في البيت الثاني على صيغة النهي (لا تجتني...) وأما غير الطلبي فيتمثل في البيت الحادي عشر (ليت شعري...) وجاء على صيغة التمني، بالإضافة إلى أسلوب التعجب الوارد في البيت الثالث عشر:
     وحسب المنايا واعظا لمغفل         يخبر عنها وهي منه على شبر !
    هكذا يتضح لنا من خلال كل ما سبق أن قصيدة "في رثاء الشاعر إدريس الجاي" لمحمد الحلوي تتأطر ضمن خطاب البعث والإحياء، نظرا لكونها تتميز على مستوى الشكل بالحفاظ على البنية التقليدية للقصيدة العربية القديمة ومنها الغرض الشعري /شعر الحكمة) بالإضافة إلى الاعتماد على نظام الشطرين المتناظرين: فالشطر الأول يسمى الصدر والثاني يسمى العجز، بالإضافة إلى الاعتماد على رو ي موحد وهو حرف الراء، وقافية موحدة مطلقة وهي (شعر، نور، فجر...)، وأما على مستوى المضمون فتتميز بوجود غرض شعري الذي هو الرثاء وهو ذكر اخلاق وخصال الميت، حيث نجد الشاعر في هذه القصيدة يقوم برثاء إدريس الجاي، بالإضافة إلى توظيف الشاعر للصور الشعرية كالاستعارة في البيت الأول والتشبيه في البيت الثالث وهذا ما يسمى بالنزعة البيانية.
    من انجاز 
    محمد وبيشة
    الساعيد وخباش
    عبد الفتاح رضى





    صفحتنا


    عدد المشاهدات