مريم الموذن
2 باك علوم إنسانية 1 تحليل رواية "أحلام مصادرة"
عبد السلام جعفري
شهد العالم العربي في أواخر القرن 19 نهضة فكرية واسعة، تمثلت في إخراج الأدب العربي من رواسب الجمود والركود، التي أصابت الأدب العربي على وجه العموم، والنثر على وجه الخصوص، ساهمت في هذه النهضة عوامل سياسية، وتاريخية، وثقافية، وفكرية...، وم بين هذه العوامل نذكر نكبة فلسطين والقضية الفلسطينية عموما، وحملة نابوليون على مصر، ظهور المطبعة والصحافة، الاستبداد العثماني، واستعمار العالم العربي، وكذلك ظهور حركات وطنية وقومية، وعامل المثاقفة كل هذه العوامل وغيرها أثمرت ثلاثة خطابات شعرية ( خطاب البعث والإحياء، خطاب سؤال الذات، خطاب تكسير البنية وتجديد الرؤيا)، وثلاثة أجناس أدبية) (المقالة، المسرحية، القصة)،
تعتبرالقصة فنا أدبيا نثريا سرديا، نشأت بأوربا بالقرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وظهرت بالعالم العربي في بداية القرن العشرين، ومن أهم روادها " محمود تيمور، شكري عياد، عبد الكريم غلاب، مبارك ربيع، نجيب محفوظ، طه حسين..."، وتتميز القصة بعدة خصائص من أبرزها تضمنها للمتن الحكائي الذي يحتوي على الأحداث والوقائع، والقوى الفاعلة، والفضاء من زمان ومكان، والعقد والمشاكل، والحلول ثم النتائج...كما تتضمن المبنى الحكائي الذي يحتوي على اللغة السردسة، والرؤية السردية، (اللحظة، اللقطة، الموقف) والأنساق والقيم الفكرية...
كل هذه الخصائص وغيرها نجدها ممثلة في الرواية التي نحن بصدد معالجتها "أحلام مصادرة" للكاتب المغربي عبد السلام جعفري المزداد سنة 1970 بأزيلال، فهو صيدلاني يزاول في القطاع الخاص، وأستاذ محاضر بكلية العلوم والتقنيات بجامعة "السلطان مولاي سليمان" بني ملال, وحاصل على الدكتوراه في الصيدلة, وفي علم الأحياء الجزيئي، وماستر في إدارة المقاولات، ودبلوم الدراسات العليا المعمقة في البيولوجيا، وإجازة في البيولوجيا، ثم إجازة في القانون الخاص، وإجازة في الأدب الفرنسي، وشهادة جامعية في تشخيص الأمراض الوراثية.
ـ فما طبيعة القوى الفاعلة لهذه القصة؟ وما طبيعة العلاقات بينهما؟
للإجابة على هذا السؤال، وبعد قرائتنا لرواية" أحلام مصادرة" للدكتور "عبد السلام جعفري" قراءة فاهمة نلج إلى مناقشة القوى الفاعلة، وهم الشخصيات التي تلعب أدورا مهمة داخل الرواية، وتتم هذه المناقشة من خلال جرد القوى الفاعلة وتصنيفها إلى آدمية وغير آدمية، وإبراز خصائصها ومميزاتها التي تكون إما جسدية أو نفسية أو فكرية...وغيرها، وأخيرا مناقشة العلاقات بين القوى الفاعلة بخلفية النموذج العاملي الأول والثاني.
ومن حيث القوى الفاعلة الآدمية نجد شخصية "يوسف" البالغ من العمر ثمانية وعشرين سنة، متخرج من كلية الطب والصيدلة.حائز على شهادة الدكتوراه في الصيدلة بميزة مشرف جدا، يأمل في العثور على عمل مناسب للانتقال بأسرته إلى مستوى عيش أحسن، والزواج "برحاب"، يتميز هذا الشاب بالصبر وحسن الخلق، والذكاء، وخفة ظله؛ فرغم الصعوبات التي تعيقه في حياته لا تفارقه الابتسامة، وروح الدعابة؛ فهو كذلك ذو هيأة جميلة وأنيقة....
و"عمر" البالغ من العمر ستة وعشرين سنة، مجاز في البيولوجيا عاطل عن العمل أكثر من أربع سنوات، تعب من الاحتجاجات والمظاهرات أمام مقري الولاية والبرلمان للمطالبة بالعمل لكن دون جدوى. الشيء الذي أصابه باليأس والتفكير في الهروب من سيف البطالة القاتل، لذلك حاول الهجرة السرية مرتين لكنه فشل، أصابه الخوف خلال المحاولة الثانية بسبب غرق القارب الصغير بهم، وموت جل المهاجرين معهم، الشيء الذي جعله يتخلى عن فكرة الهجرة، وأن لا يعاود الكرة مجددا، لكنه أصبح في حالة اكتئاب لا أحد يعلم متى يشفى منها...و"إدريس" طالب بكلية الحقوق، استفاد من تجربة أخيه "عمر"، اختار هذه الشعبة طمعا في أن توفر له الشغل، حاصل على شهادة الباكالوريا في العلوم التجريبية، بميزة حسن، وبالنسبة "لمصطفى" و"علي" فهما تلميذان في الثانوية، أما كوثر فهي آخر العنقود، محبوبة من طرف الجميع، ويعاملونها كطفلة مدللة، والعلاقة بين هؤلاء الإخوة الخمسة و"يوسف" هي علاقة أخوة وحب وود، ويتميز الأب بالفقر، إذ يعيش مع أفراد أسرته الستة في بيت صغير ومتواضع، اشترى لابنه "يوسف" بذلة والتي لازال ثمنها دينا عليه لم يسدده بعد، كما هو الشأن بالنسبة لمصاريف ومستلزمات حفل تخرجه.
والأم تدثرت بثوب سميك، تجشمت عناء الاستيقاظ باكرا لتعد الفطور لابنها "يوسف" رغم البرد القارس، تستمتع كثيرا بالجلوس بالقرب منه، وتتبادل معه أطراف الحديث، وضعت الشاي والخبز في صحن صغير به الزيت على المائدة وهي تتأسف لابنها لكونها لا تستطيع أن تحضرله فطورا أحسن يليق بمستواه الدراسي، خوفا من أن لا يشبعه ما أعدته له، اندهشت لأسئلة يوسف، كما تتميز بالحنان، كما هو الشأن لكل الأمهات، كما تدعو لابنها بالدعاء والتوفيق في الحصول على عمل طمعا في أن يخرجها من هذه الحالة المزرية، والعلاقة بينهما وبين "يوسف" هي علاقة أبوة وحنان وعاطفة.
أما "عفاف" فهي بنت أحد جيران "يوسف"، مجازة منذ أربع سنوات، وعدها "يوسف" بأنه سيشغلها معه، نظرا لحاجتها الماسة لهذا العمل، بسبب الفقر... العلاقة بينها وبين "يوسف" هي علاقة صداقة وشقفة؛ فهو يشفق عليها بسبب وضعية أسرتها المتأزمة. ولكونها حاصلة على شهادة الإجازة بدون عمل.
ونجد السي الحاج الذي ظهر في بداية الرواية أنه رجل شهم، سخي في تعامله مع "يوسف" لا تفارقه الابتسامة، عفا "يوسف" من ثمن الساروت، واكتفى بإيجار جد مناسب، ووعده أنه لن يبدأ الآداء حتى يشرع في العمل؛ لكن سرعان ما تحول إلى رجل انتهازي، أناني، جعل "يوسف" يبني أمل كبيرا، وفرح لأنه في الأخير استطاع أن يحقق حلمه وحلم عائلته؛ لكنه خلف وعده وباع ضميره بالنقوذ، نعته يوسف بالنذالة وأنه شخص دنيء وحقير...، إنه شخص منافق، يستغل اسم الحاج ليتلاعب بمشاعر الناس ويظهر لهم وجها آخر، غير حقيقته، وأصبحت علاقة "يوسف"به علاقة احتقار وكره، بعدما كان يحبه ويحترمه.
أما "هشام" فهو من أعز أصدقاء "يوسف"، إذ يطلعه على جديده، ويقاسمه أفراحه وأحزانه، إذ كانا يدرسان في نفس الفصل بإحدى ثانوية المدينة، أصبحت صداقتهما أقرب إلى الأخوة، فلا يتخذ أحدهما قرارا حتى يستشيرالآخر. إنه مجاز عاطل ذكي، طموح يسعى إلى الاعتماد على نفسه لتحقيق ذاته، لكنه غير محظوظ، كان شخصا خجولا، له مبادئ لا يحيد عنها قيد أنملة، أتيحت له فرصة الهجرة إلى الخارج فرفض لأنه فضل تحقيق ذاته في بلده وبين ذويه، أصبح يشتغل سائق سيارة أجرة بعد عجزه عن إيجاد عمل؛ لكنه لم يستطع التحمل لما يحيط بهذه المهمة من متاعب ومخاطر، رغم كل هذه الصعاب لم ييأس بفضل قوة إيمانه.
وعلاقته بيوسف علاقة صداقة، وبمثابة أخوة لما يكناه لبعضهما من حب وود، و"رحاب" التي تضع يدها على خذها، وتحرك الملعقة باليد الآخرى في تؤدة، تعكس رقتها ورشاقتها، لديها وجه ملائكي، تجمعها "بيوسف" قصة حب جميلة، لديها مستوى ثقافي عالي، أعجب "يوسف" برقة صوتها، اظظرت إلى ترك "يوسف" بسبب طمع أبيها الذي أرغمها الزواج من عادل لكونه غني.
أما سي "عمر" المسؤول عن الرخص فرحب "بهشام" بحفاوة وأدب ودردش معه، وأخبره بأن كل شيء على مايرام، وأنه فقط ينتظر موافقة شكلية من الإدارة المركزية بالرباط، ووعده بأنه سيتصل به فور توصله بها، أصبح "سي عمر" في نظر"هشام" رجلا له أخلاق حسنة وأنه يختلف عن باقي المسؤولين الذين يتماطلون في عملهم، ويعاملون المواطنين بطريقة سيئة؛ لكنه في الحقيقة هو عكس ذلك، فهو يضهر الوجه الحسن ويخفي الوجه الشرير، والمليء بالنفاق والأكاذيب وبيع الضمير وإعطاء الوعود، وعدم الوفاء بها، والعلاقة بينه وبين هشام هي أنه أعطى هذا الأخير وعودا كاذبة جعلته يبني أحلاما كثيرة؛ لكنه حطمها له بعدم وفائه للعهد.
وهناك "عادل" وهو آخر شخص يتمنى أن يراه "يوسف" ويتحدث إليه، وليس "يوسف" فقط بل الكثير من الذين يعرفونه، لا يحبونه إلا الذين ينافقونه بسبب ثرائه، وذلك لعجرفته وتكبره وافتخاره بأنه من عائلة ثرية وذات نفوذ، كان يكره يوسف ويحسده؛ لأن الجميع كان يحبه ويتفادونه بسبب عجرفته وعتوه، كان مستواه الدراسي دون المتوسط، كان يعتبر الدراسة مضيعة للوقت، وأنها وجدت فقط للفقراء الذين عليهم أن يتجشموا عناءها لتحسين وضعهم المادي، ورغم مرور السنين لم يتغير عادل بل زاد تعجرفا وكبرياء واستغلال نفوده لشراء ضمائر الناس؛ فقد اشترى ضمير السي الحاج الذي سلب من "يوسف" المحل واكتراه لعادل كما اشترى ضمير "والد رحاب" الذي جعله يفسخ خطوبة ابنته من "يوسف" ويزوجها له، والعلاقة بينه وبين يوسف علاقة كره وحقد، كما أنه سلب من "يوسف" كل ما يخصه، وذلك بسبب حسده وبغضه.
أما والد "رحاب" فهو صاحب سيارة عتيقة تصدر أصواتا مزعجة؛ لكن رغم هذا فلديها قيمة كبيرة عنده، كان رجل تعليم متقاعد، يتميز بقوة الملاحظة، ويملك القدرة على دراسة وتقييم الأمور خصوصا المادية...إنه استغلالي وطماع، إذ أنه طمع في مال "عادل" ووالده، لذلك فسخ خطوبة ابنته من "يوسف" لكونه فقيرا وزوجها من "عادل"، والعلاقة بينه وبين "يوسف" هي أن هذا الأخير كان يعتبره حلم المستقبل، لأنه كان يحلم بالزواج من ابنته لكن الأمور تغيرت فلم يتزوجا.
وبخصوص والد "عادل" "الحاج التهامي"، فهو رجل غني صاحب سيارة فاخرة، وفي عقده الخامس على الأرجح ذو بذلة أنيقة، يترجل من السيارة، وقف لهنيهة وهو يجيل بصره بين زبائن المقهى حتى وقعت عيناه على الطاولة التي يجلس بها والد رحاب، ذهب عنده ألقى عليهم التحية وبدأ يحدثهم بطريقة طريفة، وكأنه يعرفهم منذ وقت طويل، اعتذر بأذب عن إزعاجه، لديه ابن واحد هو "عادل" يحبه كثيرا، ويساعده في مخططاته إذ يشتري له بالمال حتى ضمائر الناس.
ثم نجد "اسماعيل" شاب أنيق ومؤذب صاحب سيارة فاخرة، دكتور صيدلاني اشترى صيدلية ابن زهر من الدكتور علي رأى رحاب في الصيدلية فأعجب بها، وقرر خطبتها من والدها، فتقبل هذا الأخير هذه الخطبة طمعا في مال "اسماعيل"، فعرضه على "رحاب" التي قبلت به مظطرة الشيء الذي أفرح الشاب كثيرا؛ لكن سرعان ما فسخ خطوبته منها.
أما الدكتور "علي" فكان إنسانا متميزا، يتمتع بسمعة طيبة بين كل سكان الحي بفضل نصائحه، وكذلك التسهيلات التي كان يقدمها له، وكان من الصيادلة الأكفاء الذين درسوا بفرنسا، هاجر إلى كندا بحثا عن الراحة، والعلاقة بينه وبين "اسماعيل" هي علاقة بيع وشراء، إذ أنه باع صيدلته لاسماعيل.
ونجد "سمية" شابة ذات مستوى ثقافي مميز، تعمل مدرسة التعليم الابتدائي في أحد الدواوير النائية، كانت تحب "يوسف" بجنون؛ لكنها لم تستطع أن تبوح له بذلك، كانت بنت جميلة وذات أخلاق عالية، وعقل ذكي، ضحت مع "يوسف" إذ أنها فسخت خطوبتها من ابن عمها من أجله، وتحملت كل الصعوبات والإهانات التي تلقتها من عائتها، والعلاقة بينها وبين "يوسف" كانت في البداية علاقة صداقة وزمالة؛ لكن سرعان ما تحولت إلى علاقة حب والتفكير في الزواج.
أما "مصطفى" فهو صديق قديم ليوسف، هاجر إلى كندا، التقى بيوسف في المطار، فجعله يتراجع عن فكرة الهجرة إلى الخارج بسبب سلبياتها الكثيرة والخطيرة التي يصعب حصرها، أولها الاغتراب، والعلاقة بينه وبين يوسف علاقة صداقة.
وبعد الانتهاء من دراسة القوى الفاعلة الآدمية، ننتقل إلى دراسة القوى الفاعلة غير الآدمية في كل عنصر ممثل للأحداث والشخصيات من" فكرة، شعور، موقف، زمان، مكان، جماد، حيوان، نبات..." ومن أهمها نذكر النافذة الصغيرة والوحيدة للغرفة، تكسرت على الأثاث والأجساد، والبيت الذي يعيش فيه يوسف وأسرته، هو بيت متواضع، أخذ مكانه بصعوبة بين البيوت العديدة من أمثاله المطلة على زقاق ضيق في المدينة العتيقة، واجهته لا يتعدى عرضها أربعة أمتار، تشققت جدرانه بفعل الرطوبة والزمن..و.الموعد الذي كان بين يوسف وسي الحاج صاحب المحل الذي أراد يوسف أن يكتريه، كانت لهذا الموعد أهمية كبيرة؛ لأنه سيغير مجرى حياة يوسف، وهو موعد لطالما انتظره هو وأسرته بفارغ الصبر.
والأمل يتمثل في أمل يوسف في تحقيق حلمه، لكي يسدد ديون أبيه، ويرقى بأسرته إلى مستوى معيشي أحسن، ويعوضهم عن كل ما حرموا منه طيلة السنوات...والزقاق الضيق الذي يوصل إلى الشارع على نحو حثيث، يمتلأ بالنساء والأطفال والملابس والأفرشة... ثم السعادة التي شعربها يوسف عندما اتفق مع صاحب المحل على كل شيء و سهل عليه أمور الكراء ...والصداقة التي كانت تجمع بين يوسف و هشام, فهي بمثابة أخوة, إد أنهم كانو يلجؤون إلى بعضهم البعض كلما احتاج أحدهم إلى الآخر...ثم الحب الذي يكنه يوسف لوالديه وإخوته ولهشام ورحاب وسمية...والكره الذي يكنه لعادل، وأصبح يكنه لسي الحاج، وكذلك لوالد رحاب...
والنفاق الذي يميز شخصية السي الحاج، والحاج التهامي، والد رحاب، وسي عمر، وعادل...ثم الكبرياء، والعجرفة التي ميزت شخصية عادل ووالد الحاج التهامي، فضلا عن البلاد التي تتوفر على حقول شاسعة، وقد اخضرت وزينت بألوان الورود الزاهية المختلفة بها فلاحون يعملون بجد، منهم من يقطف الثمار، ومنهم من يزيح عنها الأعشاب الضارة، ومنهم من يقوم فقط بزيارة تفقدية.
وبعد الانتهاء من دراسة القوى الفاعلة غير الآدمية، نمر إلى دراسة العلاقات بين كل هذه القوى الفاعلة بخلفية النموذج العاملي، فالعامل هو كل دور تقوم به القوى الفاعلة في النص السردي، ويتضمن النموذج العاملي ست عوامل وثلاث علاقات. العامل الأول هو العامل الذات يمثل قوة فاعلة تتوجه نحو الموضوع إما رغبة في تحقيقه أي الاتصال معه أورغبة عنه أي الانفصال عنه. ويتمثل في هذه الرواية في شخصية يوسف، العامل الثاني هو العامل الموضوع يمثل القوة الفاعلة المبحوث عنها والمراد الوصول إليها. ويتمثل هنا في رغبة يوسف في اكتراء محل مناسب، وفي مكان مناسب ليعمل فيه كصيدلاني ويجلب منه النقود والعلاقة بين العامل الذات والعامل الموضوع هي علاقة "وصل ورغبة"، أما العامل الثالث فهو العامل المرسل يمثل القوة الفاعلة التي تكون لها القدرة على دفع الذات صوب الموضوع. ويتمثل في حلم يوسف والأمل في الانتقال بأسرته إلى مستوى معيشي أحسن، وامتلاك بيت واسع، له واجهة كبيرة وشرفة، والعديد من النوافذ تمكنهم من التقاط الضوء والشمس والهواء، وتسديد ديون أبيه والعامل الرابع هو العامل المرسل إليه يمثل القوة الفاعلة المستفيدة من المرسل ويتمثل في أسرة يوسف، وكذلك الذي يستفيد من شاب ذي كفاءة عالية في مجال الصيدلة. والعلاقة بين العامل المرسل والعامل المرسل إليه هي علاقة "إرسال".
والعامل الخامس هو العامل المساعد الذي يمثل القوة المؤازرة للذات للحصول على موضوعها، ويتمثل في رحاب والحلم في تحسين مستوى عيشه، حب رحاب، ورغبته في الزواج بها.أما العامل السادس والأخير فهو العامل المعارض أو المعاكس، ويمثل القوة الفاعلة التي تمنع وتعرقل العامل الذات للوصول إلى العامل الموضوع، ويتمثل في النفاق وإعطاء الوعود الكاذبة، تفشي الرشوة، بيع الضمير، كل هذا يمتلكه "السي الحاج، والد رحاب، الحاج التهامي، عادل" والعلاقة التي تجمع بين العامل المساعد و العامل المعارض هي علاقة "صراع".
أما دراسة البنية العاملية فتتحدد من خلال ثلاث مستويات من البنى، بنية تعدد وتباين الرغبات وهي مرحلة ترتبط بوضعية البداية، والاستهلال بخلفية الخطاطة السردية، وتتميز بوجود أكثر من بنية عاملية بداخلها، وفيها يتجسد تباين الرغبات بين العوامل الذوات إلى مستوى معيشي أحسن وفي عثور يوسف على محل مناسب يشتغل فيه كصيدلاني، ورغبته في الزواج برحاب، ورغبة عمر أخ يوسف في العثور على عمل والهروب من البطالة؛ لكنه فشل فأصبحت لديه الرغبة في الهجرة السرية... ويرغب كذلك ادريس في الحصول على عمل، ورغبة هشام صديق يوسف في إنشاء مدرسة خاصة لتكوين الممرضين، ثم رغبة السي الحاج في كراء محله بثمن مرتفع، ورغبة عادل في سلب يوسف كل مايخصه كسلبه المحل وخطيبته "رحاب"، أضف إلى ذلك رغبة رحاب في الزواج من يوسف والعيش معه تحت سقف واحد، رغبة الحاج التهامي في تحقيق أمنيات ابنه الوحيد عادل، ورغية اسماعيل في الزواج من رحاب، ثم رغبة سمية في الزواج من يوسف، ورغبة مصطفى في إقناع يوسف في العدول عن عن فكرة الهجرة إلى كندا.
أما البنية الثانية فهي بنية صراع الرغبات، وتتمثل في وضعية الوسط بمعيار الخطاطة السردية وفيها تتحول البنية العاملية من تعارض الرغبات بين العوامل الذوات إلى صراع بينهما، فهناك صراع بين رغبة يوسف ورغبة عادل ورغبة اسماعيل، إذ أن الثلاثة يريدون الزواج من رحاب، ثم الصراع بين رغبة سمية ورغبة رحاب التي تتمثل في الزواج من يوسف، ثم الصراع بين رغبة والد رحاب والذي لايريد تزويج ابنته من يوسف، ورغبة عادل في اكتراء نفس المحل.
أما البنية الثالثة والأخيرة فهي بنية تفسخ الرغبات، وترتبط وضعية النهاية بمعيار الخطاطة السردية، وفيها تزول عقدة الصراع بين المتصارعين، وتختفي البينة العاملية إما لفشل البطل أو انتصاره، أو بتحقيق الموضوع وتحديده أو صياغته أو بزوال المساعدين أو المعارضين، وفي هذه الرواية زالت وتفسخت رغبة يوسف وأسرته في الانتقال إلى مستوى عيش أفضل، وفي امتلاك بيت واسع ذي واجهة كبيرة مع شرفة والعديد من النوافذ، وتفسخت رغبة عمر في العثور على عمل، كما تفسخت رغبته في الهجرة السرية إلى الخارج، وزالت رغبة يوسف في اكتراء محل السي الحاج، وفي الزواج من رحاب، وزوال رغبة هشام في إنشاء مدرسة خاصة لتكوين الممرضين، وتفسخت رغبة رحاب في الزواج من يوسف، كما تفسخت رغبة اسماعيل في الزواج من رحاب.