ضحى الفنجاوي
2 باك علوم إنسانية 1 تحليل رواية " أحلام مصادرة"
للروائي عبد السلام جعفري
" الرواية" هي جنس أدبي سردي وظاهرة تعبيرية، تم التعامل معها من خلال مستوياتها: سواء "الإبداعية والنقدية"؛ بدءا من مرحلة التأسيس والتأصيل مرورا بمرحلة التجريب والتبلور، وقد اهتمت بمختلف المواضيع الاجتماعية والسياسية، وكذا الموضوعات الإنسانية، والوجودية، تسائل دقائق الأمور وتسبر أغوار الذات في تشظياتها المتنوعة، والموضوع في أبعاده الإنسانية حافلة بعناصر المتن السردي المتعدد من " قوى فاعلة، وأحداث ووقائع". ناقلة الواقح، وأحيانا منزاحة عنه أخرى، تسعى لتجسير علاقة راقية وجدانية وفكرية، وأحيانا واقعية من خلال "إرغام" المتلقي المفترض على متابعة متتالياتها السردية بشغف وحب لإدراك جماليات المواضيع الروائية، والتي تمتح من الذاكرة والتاريخ، والذات والتراث والمذكرات، وتجسير العلاقة مع باقي الأجناس الأدبية: "كالسيرة الذاتية والغيرية وباقي الأنماط السردية". بل تتعدد أطرها المرجعية لترقى إلى مستوى ثقافة الرواية، أو الرواية الثقافية.
تمثل رواية" أحلام مصادرة"، لعبد السلام جعفري الجيل الأخير من الرواية المغربية التي اتخذت من الظروف المغربية في فترة معينة موضوعا لها، هذه الظروف تمثلت في التعبير عن الواقع المعاش لهذا الجيل الذي يعاني من القهر والاختناق، والفقر وقلة فرص الشغل، رغم أنه مثقف ومؤهل، هذا سبب سوء التدبير سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي، أو السياسي، وسوء التدبير هذا راجع لاندثار وغياب الأخلاق، وكذا القيم والمبادئ التي يعرف بها هذا الدين القيم الحنيف. وسيطرة أصحاب النفوذ. رغم هذه الأضاع المحبطة للآمال والرغبات والأحلام المصادرة، وغير المحققة المتلاشية والمنصهرة داخل المجتمع الذي لا وجود فيه للقيم والأخلاق، على عكس هذا فهو مليء بالفساد والانحطاط، فالدين تشبتوا باستكمال دراستهم وتشبتهم بالبلد، وحاولوا انتزاع وأخذ حقوقهم المهنية بالقوة من هذا المجتمع المنحط.
ويمثل هذه الفئة الروائي الذي انتزع وأخذ حقوق المهنية) فتحه لصيدلية حلمه ( لم يقف هنا؛ بل تجاوزه إلى كتابة الرواية؛ فهو روائي مغربي من مواليد 1970 بأزيلال صيدلاني يزاول في القطاع الخاص، وأستاذ محاضر بكلية العلوم والتقنيات " بجامعة السلطان مولاي سليمان" بني ملال, كذلك فهو حاصل على الدكتوراه في الصيدلة بالرباط سنة 1997, كما أنه حاصل على الدكتوراه في علم الأحياء الجزييء بني ملال سنة 2010، ونال الماستر في إدارة المقاولات بفرنسا سنة 2012، وحاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في البيولوجيا بمدينة سطات سنة 2004، وهو نائل الإجازة في البيولوجيا بمدينة مراكش سنة 1992، وحاصل على الإجازة في الأدب الفرنسي ببني ملال سنة 2004، بحيث كتب في جنس الرواية، ومن أعماله " أحلام مصادرة".
وطبعتها القانونية الأولى كانت سنة 2001، صادرة عن نادي أحمد بلبصير للثقافة والإبداع، وهو أحد أندية " القاضي عياض" للتنمية والتكافل الاجتماعي تستهدف: التعريف بالكفاءات الإبداعية جهويا ووطنيا ودوليا، وتجسيير العلاقة بين الإبداع والعمل الاجتماعي، تشجيع وتثمين الأنواع الإبداعية الهادفة. وهذا النادي مقره الرئيسي بمدينة " بني ملال "، وهذه الرواية عمل مكون من 116 صفحة من الحجم المتوسط من تقديم الأستاذ الفاضل والكريم" محمد قساس".
أما بالنسبة للتصيم المنهجي لغلاف الكتاب فيمثل مجموعة من الإحاءات والدلالات، فالبنسبة للعنوان"أحلام مصادرة"، كتب بخط واضح وظاهر، باللون الأحمر الذي يمثل مص دماء الفقراء، وكذلك هو بمثابة نوع من النضال والكفاح من أجل تحقيق الأحلام الضائعة والمتلاشية. كما نجد صورة الحمامة وتحتها أشعة الشمس الصفراء، ذهبية اللون الجميل، والرائع تحيل إلى الأمل، والإشراق، والحلم في الوصول إلى الهدف، كما تظهر لنا يد ماسكة أيقونة تتداخل فيها الألوان بين الأسود و الرمادي التي تدل على الحزن، و قتامة الواقع الاجتماعي, يتوسطها مهراس، والذي يدل على السلطة، وقوة التعجرف، وقد وظفها الروائي"عبد السلام جعفري" للدلالة على القوة المادية الطاغية، و المتسلطة على المجتمع وخصوصا الفقراء. كما كتب اسم الروائي في الأعلى بخط عادي وسلس، وبسيط؛ لأن هدفه من هذه الرواية ليست الشهرة أو الربح المادي، بقدر ما يهمه التعبير عن الواقع المعيش داخل مجتمعه، و في الأسفل تظهر لنا كلمة الرواية للتعبير عن الجنس الذي كتب فيه الروائي، أو بالأحرى مُخَزِّنا للأفكار و العلم و التواضع .
جاءت هذه الرواية بلغة جامعة بين "اللغة العربية الفصى"و"اللغة العامية"، إذن هذا المزيج سيعطينا "لغة مهجنة" و هدفه فهم كل القراء؛ فالكاتب يريد معالجة مجموعة من القضايا داخل هذا المجتمع، المقهور، والمتعجرف الذي يتماشى بالماديات فقط.
اخترت الاشتغال في عملي هذا على" عناصر القوى الفاعلة" بنوعيها " الآدمية منها وغير الآدمية". أما بالنسبة " للقوى الفاعلة الآدمية"، وبالمناسبة هي كل قوة مؤثرة داخل الأحداث سواء أكانت آدمية أو غير آدمية"، وبالتالي هي التي شغلت مساحة كبيرة داخل هذه الرواية، وفي دراستي لهذه العناصر سأتبع الخطوات المنهجية ) الجرد، الخصائص، العلاقات الجامعة بين القوى الفاعلة(.
وفي قرائتنا لهذا العمل الروائي يمكننا أن نفتخر به كمغاربة، وأول قوة فاعلة صادفتها هي الشخصية الرئيسية" يوسف" يبلغ من العمر 28 سنة شاب فقير، ذاق طعم العذاب والقهر منذ دراسته واحتكاكه بواقعه الغادر والخادع، العذاب مرة ؛ لكن ليس من طرف المجتمع فحسب؛ بل من طرف حبيبته رحاب التي فارقته بسبب رفض " والدها" الزواج بـ "يوسف" بدافع فقره، وعدم تحمله مسؤولية البيت، وهو شاب عازب له طموحات كثيرة؛ لكن القدر لم يساعده لكي يحقق ولو جزءا من تلك الأحلام الضائعة، والتائهة له داخل هذا الواقع، وبالأحرى المجتمع المنحط سواء من قيمه أومبادئه أو مسؤوليه، والذين يهمهم الربح فقط.
كما نلمح شخصية "رحاب"؛ أي قوة فاعلة أخرى من خصائصها أنها متوسطة العمر من عائلة غنية، كدت واجتهدت لتصبح مهندسة، وهي حبيبة يوسف، وهي شخصية حزينة، ضحت من أجل البقاء والزواج بيوسف لكن دون جدوىـ لأن وادها رفض.
أما بالنسبة " لأب يوسف" فهو رجل فقيرـ يشتغل ليل نهار لكي يلبي حاجيات أبنائه السبعة هو رمز للتضامن والمساعدة بين الآباء والأبناء. أما" الأم" فهي بدورها حنونة ومتفهمة تبذل قصارى جهدها لكي ترضي أبناءها كذلك ليذوقوا طعم السعادة والحب والوئام، رغم أنهم فقراء.
ونصادف شخصية "هشام"، وهو صديق "يوسف" الحميم الذي كان يدرس معه في نفس الكلية حتى أنهم تخرجوا في سنة واحدة، وهو شاب فقير كذلك بدوره ذاق طعم الحرمان والمرار من مجتمعه؛ لأنه لم يوفر له فرص الشغل، وهو شاب فقير من أصل " أمازيغي".
ونلحظ شخصية" عادل" الشاب الغني لكن هذا الغنى مادي فقط ليس بغنى فكري أو عاطفي أو معنوي ، يمثل رمزا لتعجرف وانحطاط الأخلاق واندثارها، حيث نال شهادة "مدير صيدلاني" من جامعة بأوربا الشرقية دون أن يستحقها؛ لأنه لم يسهر الليالي ولم يتعب كأصدقائه "هشام و يوسف"، خطب رحاب الحبيبة الأولى ليوسف.
و "سمية" فهي كانت الحبيبة الثانية ليوسف حيث أرجعته من الطريق التي كان سينحرف بها، عن طريق مساعدته، وإخراجه مما يعانيه من أحزان وآلام، ومساعدته كذلك على نسيانه بعض الشيء لحبه الأول "رحاب".
أما بالنسبة لوالد عادل فهو غير متعلم، لكنه أصبح من المالكين للسلطة داخل المدينة؛ فهو رجل غني يملك فيلا كبيرة وسيارة فاخرة حيث تجلب انتباه كل من رآها، فهو مالك للعقارات، وهو رجل يمكننا القول عليه بأنه أكثر من الثري. كما نجد والد "رحاب" أو كما يناديه "يوسف" " الحاج"، لكنه لا يمثل هذا الاسم؛ لأنه ضيع قيمته وأخلاقه وكرامته وراء كسب المال، وجعل ابنته كبضاعة يبيع ويشتري فيها كيفما شاء.
أما بالنسبة "للمسؤولين" فهم الأغنياء والمالكين للسلطة داخل البلاد ويمثلون قيم الجشع والتعجرف والنهب والاستغلال كما نبصر شخصية أو قوة فاعلة أخرى داخل هذه الرواية وهي شخصية "الغريب"، ويمثل قيم الخير، والمساعدة بالنسبة لوضعية "يوسف"؛ لأنه هو من ساعده عل تجاوز محنته وبقائه معه حتى استرجع وعيه، ثم راح إلى حاله.
ونجد للشخصية "اسماعيل" : فهو شخص مؤذب يمثل قيم التسامح والتفاهم، وكذا التعايش والتضامن، و مثل هؤلاء الأشخاص قلة بالمجتمع، كما نجد قوة فاعلة أخرى وهو أخ يوسف "عمر"، وهو شاب يبلغ من العمر 28 سنة، فقير مؤذب متفاهم، مساعد لأخيه في كل الأشياء، سواء عندما كان يدرس أو عندما كان يريد اكتراء محل للصيدلة، فهو أول شخص يجده بجانبه، وهو بمثابة مدعمه النفسي، وكذلك هو الذي يخفف عن أخيه أحزانه وهمومه، ويعتبر أخا وفيا وحميما.
أما بالنسبة للعلاقات الجامعة بين القوى الفاعلة الآدمية، فعلاقة يوسف بأمه علاقة أمومة وحنان. أما علاقة يوسف بأبيه فهي علاقة أبوة ومساعدة، أما علاقة" يوسف" برحاب" فهي علاقة محبة وخطوبة، أما علاقة " يوسف بهشام" فهي علاقة صداقة قديمة ووفية، وهي كذلك علاقة حميمية تصل لدرجة الأخوة.
وعلاقة " يوسف بعمر" فهي علاقة أخوة ووفاء، ومساعدة. أما علاقة" يوسف بعادل" فهي علاقة صراع وخصومة دائمة. أما علاقة " يوسف بسمية" فهي علاقة حب وكذلك خطوبة . أما بالنسبة لعلاقة "يوسف بصاحب المحل" الذي أراد "يوسف" كراءه هي علاقة صراع؛ لأن الحاج يمثل قيم الجشع والطمع، و "يوسف" يمثل قيم الباحث عن العيش، وتجسيد للواقع المغربي. وتظهر لنا كذلك علاقة أخرى وهي علاقة " يوسف بالمسؤولين" هي علاقة صراع وخيانة للأمانة الوطنية، واندثار قيم التضامن والتعاون عند المسؤولين، أما علاقة " يوسف باسماعيل" فهي علاقة تضاد؛ لأن "اسماعيل" ذهب لخطبة رحاب رغم أنه يعلم أنها مخطوبة من طرف شخص آحر قبله، علاقة " يوسف بالصيادلة" علاقة محبة لدرجة الأخوة، تطبعها روح الدعابة والنكتة.
أما بالنسبة " للقوى الفاعلة غير الآدمية" فهي كثيرة ومتنوعة داخل هذه الرواية؛ حيث نجد " محل الكراء" الذي أراد "يوسف" كراءه ليقيم فيه صيدلية حلمه، وهو يمثل موقع استراتيجي يطل على الشارع. كما نجد القوة غير الآدمية، وهي " القلعة القديمة" التي هي مكان لفسحة العشاق، والأحباء تمتاز بالاخضرار، وتنوع الأماكن الطبيعية فيها، حيث يوجد بها صوت غناء وتغريد العصافير مع اخضرار الطبيعة؛ فهي تمثل المتنفس والوجهة المعروفة للعشاق، حيث نلمس قوة فاعلة "غير آدمية" أخرى، آلا وهي "البيت" الذي يمثل المسكن الصغير " ليوسف" وعائلته، وهو صغير، وليست له واجهة في اتجاه الشمسن؛ إلا أنه مليء بالحب والحنان والطمأنينة. أما بالنسبة للسيارة الفاخرة فهي ملك "لأب عادل"، هذه السيارة تمتاز بسائق خاص، وجودة عالية وسرعة فائقة، يملكها أصحاب النفوذ فقط. أما المقهى فهي وجهة " يوسف وهشام" وهي مستقبلة لكل الطبقات الاجتماعية الفقيرة، والغنية والمتوسطة وهي فضاء للتنزه والترفيه عن النفس.
أما " الهاتف" فهو يمثل أداة تواصل بين شخصين أو أكثر وكان لاستعماله داخل الرواية خصوصا بين " يوسف ورحاب" و " يوسف ووالد رحاب ". كما نلحظ سيارة الأجرة، وهي مساعدة الناس على التنقل بسهولة وجاءت فيه رحاب إلى بيتها لتعرف ماذا جرى بين يوسف وأبيها. أما المطبخ فهو مكان التقاء رحاب وأمها للحواربخصوص علاقتها بيوسف وحبها له. أما " الهواء والضوء والشمس"؛ فهي قوى فاعلة غير آدمية لكنها طبيعية تمثل داخل الرواية الحلم الذي كان لدى يوسف عندما أصبح صيدلاني ليشتري لعائلته منزلا تدخله الشمس والضوء والهواء من كل النواحي. أما "مخزون الدواء" فهذا يتمثل في أننا داخل صيدلية وهذا يمثل تخزين وتجميع الأدوية بداخله، هذه جل القوى الفاعلة غير الآدمية داخل هذه الرواية المتمزة والرائعة، والتي كان لها دور في تغييرمجرى الأحداث.
ومن هنا يمكننا دراسة الشخصيات الرئيسية بخلفية "النموذج العاملي" . أولا دراسة شخصية " يوسف"؛ فالعامل الذات هو " يوسف"، والعامل الموضوع هو الزواج بـ " رحاب"، وكذلك إنشاؤه لصيدلية والعلاقة بينهما هي علاقة "رغبة ووصل". أما العامل المرسل فهو الطموح والرغبة والجد والاجتهاد، أما "العامل المرسل إليه"؛ فهو كراء الصيدلية والخطبة. والعلاقة بينهما هي علاقة إرسال، أما العامل المساعد فيتمثل في "الوالدين، الإخوة، هشام، رحاب" والعامل المعارض هو "عادل والد رحاب الحاج صاحب المحل، المسؤولين" والعلاقة بينهما هي علاقة صراع وتضاد.
أما بالنسبة لدراسة شخصية أو قوة آدمية أخرى فهي "رحاب": فالعامل الذات هو " رحاب"، والعامل الموضوع هو " الزواج بيوسف وأن تصبح مهندسة"، والعلاقة بينهم علاقة رغبة ووصل. أما العامل المرسل فهو الحب، الرغبة، القناعة" والعامل المرسل إليه هو التضحية من أجل يوسف والصبر من أجل أن تصبح مهندسة، والعلاقة بينهما هي علاقة "إرسال". أما العامل المعارض فهو عادل ووالد رحاب، واسماعيل، والد عادل، ثم الظروف المادية ليوسف، والعلاقة بينهم هي علاقة "صراع وابتعاد".
وبخصوص دراسة البنى العاملية الثلاثة ألا وهي: " بنية تباين الرغبات، بنية صراع الرغبات، بنية تفسخ الرغبات"، بداية مع دراسة بنية تباين الرغبات فنجد هناك تباين مطلق بين رغبات القوى الفاعلة الآدمية، بداية مع رغبة "يوسف" وهي إنشاء صيدلية وتكوين أسرة مع رحاب بزواجهما وإخراج والديه من الفقر والقهر. أما بالنسبة لرغبة " رحاب" فهي الزواج بيوسف وتكوين أسرة معه، أما بالنسبة لرغبة" عادل" فهي زواجه بـ" رحاب لكن ليس بدافع الحب، بل بدافع الانتقام من" يوسف"؛ لأنها حبيبته، ثم رغبة اسماعيل في زواجه برحاب؛ لأنه يحبها ليس بأي دافع آخر، ورغبة "هشام" في تكوين بملكه ليخرج من الفقر ويحسن حالته المعيشية. أما رغبة "المسؤولين" فهي الربح المادي السريع حتى وإن كان هذا على حساب قهر واستغلال الفقراء والضعفاء، والذين لا يملكون ما يطفؤن به جوعهم وجوع أبنائهم.
أما رغبة "سمية"؛ فهي الزواج "بيوسف" بدافع الحب والمحبة، كذلك رغبة الحاج صاحب المحل في الربح المادي حتى ولو كان على حساب هدم وتدمير أحلام وطموحات الآخرين. ورغبة" الحاج التهامي والد عادل" في تلبية كل طلبات ابنه، وإن كان هذا على حساب سعادة الآخرين لكي يصبحوا تعساء مدمرين. أما بالنسبة لصراع الرغبات فنجد رغبة "يوسف" تتصارع مع رغبة "عادل". ورغبة " يوسف" تتضارب مع رغبة الحاج صاحب المحل. ونلاحظ رغبة يوسف تتصارع مع رغبة " الصيادلة".
ونلمس رغبة يوسف تتعارض ورغبة "والد رحاب"، ونبصر رغبة "يوسف" تتناقض ورغبة "اسماعيل"، ورغبة " يوسف" تتصارع ورغبة " المسؤولين". كما نجد رغبة رحاب تتصارع ورغبة " والدها والمجتمع وعادل". ورغبة " هشام" تتصارع مع رغبة " المسؤولين".
أما بالنسبة لتفسخ الرغبات، فنجد رغبة "رحاب" تحققت في حصولها على عمل شريف وصريح، ألا وهو اشتغالها كمهندسة داخل شركة معروفة، لكن لم تتحقق رغبتها في الزواج بـ "يوسف"، كما نلمس عدم تحقق رغبة "يوسف" سواء كسبه محل لصيدلية أو زواجه " بـ" رحاب"، وكذلك زواجه بـ "سمية"، وعدم تحقق رغبته في الهجرة إلى كندا، وعدم تحقق رغباته في تلبية حاجيات عائلته، وإخراجها من الواقع المرير الذي يعانيه الفقراء، وعدم تحقق رغبته في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد، و الطاغي عليه نمط الطمع والقهر والاستغلال، والنهب.
حيث تحققت رغبة" عادل" سواء في أخذه لشهادة "مدير الصيادلة"، أو خطبته "لرحاب"، أو كسبه المحل الذي كان يريد" يوسف" أن يكون صيدلية له. وعدم تحقق رغبة " اسماعيل" في الخطبة و " الزواج بـ "رحاب". ثم تحقق رغبة "المسؤولين" في الوصول إلى السلطة بطريقة صاروخية، وفائقة السرعة رغم أنهم استعملوا طرقا غير مشروعة كالاستغلال، والنهب والقهر، ووصولهم لمبتغاهم المادي المحض، عدم تحقق رغبة "أم رحاب" في تزويج ابنتها "ليوسف" الشاب المؤذب المعروف بروح النكتة والدعابة، وعدم تحقق رغبة " سمية" في الزواج " بيوسف" والسبب هو فارق السن بينهم. وعدم تحقق رغبة "هشام" في الحصول على صيدلية لتحسين ظروف حياته سواء المعيشية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية.
في حين، نجد تحقق رغبة "والد رحاب" في كسبه، وربحه للمال بطريقة سريعة؛ لكنه نسي أنه ضيع أخلاقه وقيمه وكرامته أمام أصدقائه في سبيل بعض الدراهم، والتي لا قيمة لها مقارنة مع الأخلاق والقيم والمبادئ والدين، وكذلك احترام رغبات ابنته.
ومن هنا يمكننا أن نستخلص أن هذه الرواية التي بين أيدينا المعنونة بـ " أحلام مصادرة" لبروائي " عبد السلام جعفري" مثل الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أحسن تمثيل حيث سلطت الضوء على جل القضايا التي حطمت للإنسان كرامته، وحبه للوطن، وأوضحت التفاوت الطبقي؛ فالأغنياء يعيشون في حياة البذخ والرخاء والترف لكن الفقراء لا يجدون لقمة عيش يسدون بها رمقهم، وهذا الواقع مُثل على ألسنة وتجارب قوى فاعلة آدمية مثل يوسف ورحاب والأم والأب، وعادل، وهشام، والمسؤولين.
كل هذه القوى الفاعلة أظهرت لنا تلك الفوراق الوخيمة، والتي هي بمثابة نتائج كارثية بالنسبة للمجتمع المغربي. ومن هنا يمكننا أن نفترض أن هذه الرواية رغم أنها تجسد الواقع المغربي الحقيقي؛ إلا أنها يمكنها أن تجسد سيرة ذاتية لكاتب هذه الرواية، وكذلك لمجموعة من الشباب الذين يعانون مرارة البطالة رغم كفاءتهم؛ ولكن السبب هو أنهم فقراءعكس الأغنياء الذين لا يملكون الفكر والثقافة والقيم والمبادئ، أو الأخلاق لكنهم لا يملكون النفوذ مما يجعلهم يدخلون سوق الشغل بدون عناء ولا قهر، رغم أنهم غير مؤهلين. إذن من هنا نلاحظ أن هذه الرواية كشفت وعرت، وأكثر من هذا، فضحت الواقع الاجتماعي المغربي، وأظهرت واقعه وتجربته الحقيقية الرديئة التي لا مجال فيها للفقراء والمساكين.